يُحْكَى عَن مَلِكٍ غَنِيٍّ جِدًّا أَحَبَّ الغِنَى وَالثَّروَة. وَكانَ لَدَيهِ مِن الذَّهَب، أَكثَرُ مِن أَيِّ إِنسانٍ في العالَمِ كُلِّه، وَلَكِنَّهُ لم يَكتَفِ بِما عِندَه، فَكانَ يَسْعَى إلى المَزيدِ مُهمِلاً عَلاقَتَه مع ابنَتِهِ الّتي كانَتْ تُطالِبُهُ بِأَن يُحادِثَها وَيَلعَبَ مَعَها. وَلَكِنَّهُ كانَ يُفَضّلُ صَرفَ أَوقاتِهِ في تَجميعِ الذَّهَب وَالثَّروَة.

            وَبَينَما كانَ هَذا المَلِكُ مُنهَمِكًا في إِحصاءِ الذَّهَب الّذي يَمتَلِكُه، ظَهَرَ أَمامَهُ شَخصٌ غَريبٌ قائِلاً لَه: -«أَيُّها المَلِكُ لَدَيكَ عائِلَةٌ وَأَصدِقاءٌ وَشَعْبٌ يُحِبُّك. لمِ لا تَنتَبِه لِعَلاقاتِكَ مَعَهُم؟»

            -أَجابَ المَلِك: «لأَنّي أَرغَبُ بِالمَزيدِ مِن الذَّهَب. يا لَيتَ كُلَّ ما أَلمِسُهُ يَصيرُ ذَهَبًا

            -سَأَلَ الرَّجُل: «إِذا حَقَّقْتُ أُمنِيَتَكَ هَل سَتَنتَبِهُ إلى ابنَتِكَ وَتُحَسِّنُ عَلاقتَكَ بِها؟»

            - أَجابَ المَلِك: «بالطَّبعِ

            -«إذاً غَدًا صَباحًا، كُلّ ما تَلمِسُهُ أَصابِعُك، يَتَحَوَّلُ إلى ذَهَب...»

            وفي صَباحِ اليَومِ التّالي، استَيقَظَ المَلِك، مُتَذَكِّرًا ما قيلَ لَه. فَلَمَسَ الغِطاءَ الّذي كانَ عَلَيه، وَإِذ بِه يَتَحَوّلُ لِذَهَب، لَمَسَ السَّريرَ الّذي كانَ نائِمًا عَلَيهِ وَإِذ بِهِ يُصبِحُ مِن ذَهَب، لَم يُصَدِّقْ ما حَصَل، فَطَفَرَ فَرَحًا، وَأَخَذَ يَلمِسُ بِأَصابِعِهِ كُلّ ما في الغُرفَةِ مِن أَثاثٍ وَإِذ بِهِ يَتَحَوّلُ لِذَهَب.

            لم يَرِدْ المَلِكُ أَن يُضَيّعَ وَقتَه... فَذَهَبَ إلى حَديقَةِ القَصْر، وَأَخَذَ يَلمِسُ الوُرودَ وَالأَشجارَ وَالتَّماثيل، وكُلَّ ما في الحَديقَة، فَإِذ بهِ كُلّهُ يُصبِحُ ذَهَبًا، لَقَد كانَ يَطفرُ مِن الفَرَحِ وَالسَّعادَة، لم يَتَمالَكْ فَرَحَه، فَنادَى خُدّامَهُ جَميعًا، طالِبًا مِنهُم أَن يَصنَعوا وَليمَةً وَيُقَدِّموا لهُ أَفخَرَ المَأكولات.

            وَنادَى ابنَتَهُ لِتَجلِسَ مَعَهُ على المائِدَةِ وَناداها لِيُعانِقَها مِن شِدَّةِ فَرحِهِ فَلَمّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيها صارَتْ تِمثالاً من ذَهَب...

صَرَخَ المَلِك: «لا لا... ماذا فَعَلْت...لم أَعُدْ أُحِبُّ الذَّهَب... لَقَد كَرِهَتْهُ نَفسي... أُريدُ ابنَتي...». وَأَخَذَ يَبْكي كَطِفلٍ صَغير...

تُذَكِّرُنا هَذِهِ القِصَّة بِأَنَّ السَّعادَةَ الحَقيقِيّةَ هِيَ لَيسَتْ في الغِنَى وَلا في المالِ وَفي العَمَلِ المُستَمِرِّ وَلا في النَّجاح... وَإِنَّما في التَّنَبّهِ لِمَن حَولَنا مِن الأَشخاصِ الّذين نُحِبُّهُم وَبِناءِ عَلاقاتٍ مَتينَةٍ مَعَهُم...

كُلُّ ميلادٍ وَأَنتُم بِخَير

Attachment
echos-197-p3.pdf (0 bytes)