مَن مِنّا لا يَنتَظِرُ عيدَ الميلاد بِلَهْفَة ويَتحمّس لِوَضْعِ شَجَرَة الميلاد وزينتها وأضوائها والمغارة بكل شخصياتها  ويشتاقُ الى الهدايا وحلوى العيد وأجوائه الخاصّة؟

ولكن هل نعرِف أن لكلٍّ من هذه المظاهر معانٍ وَرموز تجسّد معنى العيد الحقيقيّ ويجب الّا تغيب عن بالنا حتّى يكون الميلادُ ميلاداً لمخلّص العالم في بيوتنا و قلوبنا؟ تابعونا..

المغارَة

لِمَ يَذكُرْ لوقا المَغارَةَ بَل المِذْوَد، لَكِنَّ التّقْليدَ المُعتَمَد في أورَشليم، إعْتبَرَ إحْدَى المَغائِر الّتي كانَتْ تُستَعمَلُ كاسْطَبْلِ حَيوانَات، كَمَكانٍ لِولادَةِ المَسيح وعلى أسَاسهِ شُيِّدَتْ كنيسَةُ المهدِ في بيتَ لحم.

أمّا المغارَة كَما نَعرِفُها اليَومَ، فيَعودُ الفَضْلُ في إطْلاقِها إلى القِدّيسِ فرَنْسيس الأسيزي الّذي قَامَ بِتَجْسيدِ أوّلَ مَغارَة حَيّة (أيّ كائنات حيّة) في مِيلادِ سنة 1223 .

وانْتَشَرَّتْ بَعدَها عادَةُ تَشْييدِ المَغائِرِ الرَّمْزيّة في الكَنائسِ وخارِجِها. اما أبْرِز شَخْصيّات المَغارَة التَّقليديّة فَهيَ:

1- يسوع المسيح طفلاً: القُدّوس وابنُ الله يُدْعَى. صاحِبُ العيد وجَوهَره. فهو المُخلِّصُ الّذي تَجسّدَ ليُخلِّصَ البَشريّة.

2- مريم ويوسف: هما رُكنا الحَدَث. قالَ لوقا: «جاؤوا فوَجَدوا مَريَم ويوسُف والطِّفل مُضْجَعاً في مِزوَد». يرمُزان إلى الإنسانيّةِ كُلّها حيثُ الرَّجُل والمَرأة هُما مَعاً «صُورَة الله ومثاله».

3-  الرُّعاة:  ذكَرَهم الإنجيليّ لوقا. كانوا أوَّل مَن بَشَّرهم الملاك بولادَةِ المُخلِّص فجاؤوا مُسرعين ليَسجدوا لهُ. يمثّلون فئة الفُقَراء والبُسَطاء كونهم أفقَر الطَّبَقات ويُذكِّرونَنا بأنَّ المسيحَ هو الرّاعي الحقيقيّ.

4- ­الزّرع: في لُبنانَ نَزْرَعُ قَبْلَ العيدِ جَميعَ أنْواعِ الحُبوبِ في صُحونٍ وَأطبَاق. وإذا نَمَتْ بِنَجاحٍ يَكونُ ذَلِكَ دَليْلاً على أنّ السّنَة سَتَكونُ مُثْمِرَة وناجِحَة. ويَرمزُ الزَّرْعِ أيْضاً إلى كلِمَةِ اللَّه –أيْ يَسوع المَسيح- الّتي يَجِبُ أنْ تَموتَ في الأرْضِ كَيْ تُعطي ثِماراً طيّبة.

5- الحِمارُ والثّور : وَرَدَ ذِكْرُهُما في إنْجيلٍ مَنحولٍ ظَهَرَ في القَرْنِ السَّادس، وهو مَعروف بـ«مَنحول متّى»Pseudo Matthieu.

في نُبوءَةِ آشعيا وَردَ هذا الكَلام : «عَرفَ الثَّورُ مالِكَهُ، والحِمارُ مَعْلف صاحِبهِ.». (أشعيا 1/3) ومَنْحولُ مَتّى يَدَّعي أنَّ الحِمارَ وَالثَّور سَجَدا لِيَسوع عِنْدَما وَضَعَتْهُ مَريَم في المِذْوَدِ (المعلف)، وذلك تَتْميمًا لكَلامِ أشِعْيا :«المَسيحُ الّذي هو مَلكُ المُلوك».

6- المَجوس: ذَكرَهُم الإنجيليّ مَتّى وَقَالَ أنَّهم قدِمُوا من المَشرقِ ليَسجُدُوا للطِّفلِ المَولُود.

إخْتَلَفَتْ الآراءُ في عَدَدِهم، فَمِنهُم مَن قالَ أنَّهم إثْنان أو ثَلاثَة أو أرْبَعة أو ثَمانيّة، وسَيطَرَ العَدَدُ ثَلاثَةُ بِسبَبِ الهدايا المُقدّمَة: الذّهب، والّلبان والمُرّ. أمّا فيما يَتَعلّقُ بأسمائِهم فهُناكَ رِوايَةٌ تَقولُ أنّهم ثَلاث : واحِدٌ أسْودُ واسْمُهُ كَسْبار، وواحِدٌ أصْفرُ واسْمُهُ ملكيور، وواحِدٌ أبْيَضُ واسْمُهُ بلطشصر.

يُمَثِّلون فِئةَ المُتَعلِّمينَ والأغْنياء الّذين لا قيمَةَ لما يَملِكونَهُ أو يَعلَمونَهُ إنْ َلمْ يَقُدْهُم إلى المَسيح. ويُذَكِّرونَنا بأنَّ المسيحَ هو مَلِكُ الملوك.

والهَدَفُ الأساسِيّ للمَغارَةِ هُو  إجْتِماعُ العائِلَة حَوْلَها للصَّلاةِ في زَمَنِ الميلاد ِو وتَجسيد حُضُور يَسوُع  في بيتِنا.

الشجرة

لا يَرْتَبِطُ تَقليدُ شَجرَةِ الميلادِ بِنَصٍّ مِنَ العَهدِ الجَديدِ بَلْ بالأعْيادِ الرّومانِيّة وتَقاليدِها الّتي قامَتْ المَسيحيّةُ بإعْطائِها مَعانِيَ جَديدَة. فَقدْ إسْتَخدَمَ الرّومان شَجرَة شَرَّابَة الرّاعي كَجُزْءٍ من زِيْنَةِ عيدِ ميلادِ الشَّمْسِ الّتي لا تُقهَر. وَمَعَ تَحديدِ عيدِ ميلاد الرّبّ يومَ 25 كانون الأوّل أصْبَحَتْ جُزْءاً من زينَةِ الميلاد وتمَّ إعْتِبارُ أوْراقِها ذاتِ الشّوكِ رَمْزاً لإكْليلِ المَسيح، وَثَمَرِها الأحْمَر رَمْزاً لِدَمِهِ المِهراق من أجْلِنا.

وأوّلُ شَجَرةٍ ضَخْمَةٍ كانَتْ تِلْكَ الّتي أُقيمَتْ في القصْرِ المَلَكيّ في إنكلترا سَنَة 1840 ب.م على عَهدِ المَلِكة فيكتوريا. وفي القَرنِ السَّادِسِ عَشر أقَامَ مارْتِن لوثر أوَّلَ شجرَةِ ميلادٍ مُضاءَةٍ في العَالَم... وَمِن ثَمَّ بَدأت تَظْهرُ الزّينَةُ وَلَها رَمْزيَّتُها الخاصّة.

1- النّجمة: هي الرّمزُ السَّماوِيّ للوَعِد. أرْسَلَ اللَّه مُخَلّصهِ للعالم. ونَجمَةُ بيتَ لحم كانَتْ علامَةُ الوَعْدِ لأنّها قادَتْ المَجوسَ إلى مَكانِ ولادَةِ المَسيح.

2- الجَرَس: يَعنِي الفَرَحَ والبَهجَة والبِشارَة...

3- الكُراتُ المُدَوَّرَة: تَرمُزُ إلى أنّ رُوحَ اللَّه يُحيطُ مُستديرَةَ الكونِ وإلى السّماء.

4- الرّبْْطة: تُذكّرُنا بِروحِ الإخوَّةِ وبأنّنا يَجِبُ أن نَكونَ  مُترابِطين مع بعضِنا بَعْضاً.

5- العكّازة: تُمثِّلُ عَصا الرّاعي والحَرْف الأوّل من اسْمِ المَسيحِ بالُّلغةِ الإنكليزيّة عِنْدَ قَلْبِها رَأساً على عَقِب.

6- الشُّموع: تُمَثِّلُ نُورَ اللّه.

7- الطّوقُ أو الإكليل: يَرمزُ إلى الطّبيعةِ الخالِدةِ للحُبِّ الّذي لا يَنْتَهي ولا يَتَوقَّف.

8- القُطن: لا وُجودَ أيّ مَعنَى لاهوتيّ أو دينيّ لَهُ. أمّا الغايَة من وُجودِ القُطْنِ هو المُعتَقَد الشّعبي بميلادِ المَسيح في فَصْلِ الشّتاء، كَما أنّ منطقةَ بيتَ لَحمٍ هي مِنطقَة جَبليّة، وتَساقُط الثُّلوج شَيءٌ طَبيعيٌّ فيها.

9- الألوان : ألوانُ الميلادِ تَحْمِلُ رُموزاً رُوحيَّة :

الأخْضَر : رَمْزُ الحياةِ الجَديدَةِ والرَّجَاء والخَصْبِ والبَرَكة.

الذَّهَبيّ     : رَمْزُ الملوكيَّة والمجد والغِنَى.

الأحْمَر    : رَمْزُ الشَّهادَة وَالفِدَاء

الأبيض    :  رَمْزُ الطَّهارَة والنَّقاء.

10- الهدايا : تُذَكّرَنا بأنّ المجوسَ قدّموا الهدايا لِيسوع، و بأنَّ اللَّه أعْطى العَالمِ يومَ ميلادِ المسيح هَديّةً عَظيمَةً، وهي إبنُهُ يَسوع مُعطي الخلاص للبشريّة.

 

كلُّ ذَلِكَ يُذكِّرُنا بِعَيشِ جَوهَرِ الميلادِ لنَفْتَحَ قُلوبَنا للإلَهِ المُتَجسِّد ونَعَيشَ المَحَبَّة والسَّلام اللَّذَينِ حَمَلهُما لنَا في عائِلاتِنا وَمَدارِسِنا ومُجْتَمعنا ومَع كلّ مَن حَولَنا.