المقدمة:
سنبحث في ما يلي في حقول التربية الإيمانية ومشاكلها وانحرافاتها آملين إلقاء الأضواء على بعض الثغرات كي نستطيع معالجتها.
واللاهوت المسيحي هو أساس للتجديد الدائم في حياة الكنيسة وخدمتها وشهادتها. فالله الآب خالق أبدًا، والله الابن مخلّص أبدًا، والله الروح مجدّد ومحي أبدًا، ثالوث مقدّس لا تعتريه العتاقة أبدًا. فإن أرادت الكنيسة أن تحيا حقًا على صورة شركة الثالوث، فعليها أن تعيد النظر في مفاهيمها التربوية وحياتها على ضوء حدث الجدة ومتطلباته، فتتمكّن عندئذٍ من عيش نهضة روحية جديدة. والروح المسيحية هي الحياة الجديدة في المسيح وبالتالي في المشاركة بإبراز عمل الله الخلاصي في الكنيسة وفي المجتمع اليوم وهنا، وبتعبير آخر في الشهادة المسيحية الحيّة.
فواقع كنائسنا الشرقي حاليًا له أبعاد خطيرة تؤثّر في عملية التربية.

والكنائس تتعاطى مع هذا الواقع برؤية جديدة تمكنّها من تحديد رسالتها في هذا الشرق ورسم خطة تربوية جديدة لا تتجاهل قضايا الأرض وكلّ المشاكل المطروحة في هذه البيذة، بل تعنى بالأجيال الصاعدة والشباب وتقوده بعناية إلى عيش شهادته للإنجيل في هذه المنطقة بالذات التي تجهل الصليب.

نعيش في بيئة إسلامية. نبشّر بسلام ولا نمارسه، إيماننا طقوس ونصوص أكثر ممّا هو فعل إيمان "ينقل الجبل إلى البحر". "نجعل من النجاح فضيلة ومن السير على حرف القوانين صراطًا مستقيمًا لا يستطيع المشي عليه إلاّ المحترفون باحترام الحرف لأجل خيانة الروح. نشأنا وتربّينا على نماذج متجذرة وقيم ثابتة وأخلاق موضوعة سلفًا... وكأننا شككنا بالروح الذي يبدع ويجدّد ويلهم ويبدّل". (ميشال حايك).

وإذا لم يقرّ محيطنا بالمسيح على كمال اعترافنا به فلأنّ شهادتنا له ناقصة مضطربة. يتنكّر المسلمون لصلبه ونحن أيضًا نرغب في الهروب منه ونهرب، وما معنى الهجرة التي نعيشها إلاّ ذلك. فكيف ندل على الصليب والألم منبوذ في حياتنا كفضولي دخيل ؟ البرهان في عكس ذلك كما أورده اغناطيوس  الإنطاكي (107) القائل:"الدليل على أنّ المسيح صلب حقًا هو صليبي، هو هذه القيود التي في يديّ، وهذا الألم الرفيق".

 

1- الحقول الرعوية للتربية

1- إنّ الحقول الرعوية ثلاثة: العائلة والرعيّة والمدرسة. ولكلّ من هذه الحقول دور خاص ومهمّ في تربية الإيمان.

العائلة هي مكان عيش الحياة المسيحية والشهادة الحقة. فيها يتمرس الأطفال على عيش الإنجيل وقيمه وعلى حبّ الفقير ومساعدة المحتاج دون كلام، لكن بالمثل والالتزام اليومي "لأنها الكنيسة الصغرى".


والرعية هي مكان العيش الكنسي ومشاركة الكلمة وعيشها لا بل الاحتفال بها وإتقان الليتورجيا التي تعلّم المؤمن وتغذّيه مدى الحياة.

والمدرسة هي مكان الدراسة والعلم والتعليم، هي التي تنمّي العقل وتعطي من خلالها أساتذتها المعرفة. هي رسالة النور. تسعى إلى جعله يشعّ في كل القلوب. والإنسان يبلغ ملء إنسانيته بالثقافة. وهي أفضل أداة تربوية وبعملها التربوي تهيئ النشء لسماع كلمة الله.
كل حقل له دوره الخاص ولا يمكن أن يحلّ محلّ الآخر دون أن يؤثّر على الرسالة المسيحية.
- مكان التربية الإيمانية هو "الجماعة الكنيسة" أي اتحاد المؤمنين مع أسقفهم والتفافهم حوله لتكوين الجماعة المسيحية والإيمانية. وأول مهام الأسقف هي التعليم والسهر على التعليم وتربية الإيمان.

- فلا يجوز حصر التعليم بالأولاد وبعض الشباب وإهمال البالغين والعمال والمعاقين.
-    حصر تعليم الأولاد في المدرسة الخاصة والرسمية إذ 70 ٪ منهم لا ينالون إلاّ 24 ساعة في السنة.
- وتنحصر الجهود في أغلب الأحيان بالاهتمامات المادية وفي البرامج وطريقة إعطائها وقليلاً جدًا في تنشئة المعلمين المؤمنين. لذلك نحن بحاجة ماسة إلى كوادر وإلى تنشئة المسؤولين ومساندتهم في رسالتهم.
هذا ما يقود إلى عمليتين أساسيتين: - استقالة القوى الفعّالة والحيّة في الكنيسة من رسالتها التعليمية أي الكهنة والأهل وقد تخلّوا عن مسؤولياتهم في هذا المجال. وكلّ الذين قبلوا سرّ التعليم، اكتفوا بتوزيع الأسرار. وأما الذين يعملون فهم الراهبات والعلمانيون، أشخاص يتفانون في هذه الرسالة بدون سرّ الكهنوت.

- لا تستطيع العائلة أن تعطي هذا البعد الكنسي والتعليمي وأن تنشّئ أولادها أغلبيّة الوالدين توقّفوا عن التعليم بعد القربانة الأولى. ليس لهم من الثقافة ما يفيد. والرعيّة المكان الأساسي للتعليم قد استقالت من هذا العمل لا بل تهمّش عملها. اختفى التعليم من الحياة الجماعية المغذاة بالاحتفالات الليتورجية وأصبح مجرّد معلومات يأخذها التلاميذ وهم يشعرون بعدم منفعتها في الحياة المدرسيّة. وأمّا في الحياة اليومية فهي تُعقّد الأمور لأنّا تخلق مشاكل ضميرية.

الاخت وردة مكسور