في أحَدِ الأَيّام، ذَهَبَ صَديقانِ إلى مَدرَسَةِ وَلَدَيهِما لِيَحضُرا حَفلَةً موسيقِيَّةً تُقامُ فيها. وأَثناءَ تَواجُدِهِما داخِلَ القاعَة، وَقَعَتْ عُيونُهما على رَجُلٍ فَقيرٍ يَرتَدِي ثِيابًا باليَة... فَقالَ أَحَدُهُما لِلآخَرِ بِصَوتٍ مُنخَفِصٍ: «أُنظُر، أَلَيسَ هَذا هوَ الرَّجُلُ العَجوزُ الّذي زُرناهُ بِالأَمسِ في زَمَنِ الصَّوم، وقَدَّمنا لَهُ ظَرفًا فيهِ مُساعَدَةً مالِيَّة؟» أَجابَهُ صَديقُه: «نَعم إنَّهُ هوَ! وانظُرْ ماذا يُمسِكُ في يَدهِ مُبتَسِمًا! إنَّهُ جِهازُ هاتِفٍ غالي الثَّمَن مِن الهَواتِفِ الذّكيَّة! نَحنُ لا نَستَطيعُ شِراءَه! فَكَيفَ يَخدَعُنا بِهَذِهِ الطَّريقَة؟»
بَعدَ انتِهاءِ الحَفل أَسرَعا إلَيهِ قائِلين: «لَقَد أَعطَيناكَ بِالأَمسِ مَبْلَغًا مالِيًّا مُعتَقِدينَ أَنَّكَ تَحتاجُه. والآنَ نُريدُ استِرجاعَه... فَهُناكَ مَن هُم في حاجَةٍ إلَيهِ أَكثَرَ مِنك!».
شَعَرَ العَجوزُ بِالخَجَلِ وَطَأطأَ رَأسَهُ حَتّى لا يَرَى أَحَدٌ لَمَعانَ دُموعِه.
وقَبلَ أن يَتَكَلَّم، صاحَ رَجُلٌ كانَ يَقِفُ بِجِوارِهِ في وَجهِ هَذَينِ الشّابَين قائِلاً لَهُما: «كَيفَ تَقولانِ هَذا لِرَجُلٍ ساعَدتُماه في الخَفاء. يا لَلعار، أَتَاتِيان اليَوم كَي تُعايِراهُ على المَلأ؟ ما بالكُما ألا تَخجَلانِ مِن نَفسَيكُما». فَأَجابَ أَحَدُهُما: «هَذا الرَّجُلُ يَملِكُ جِهازُ هاتِفٍ لا نَقدِرُ نَحنُ على شِرائِه، فَكَيفَ يُصَنِّفُ نَفسَهُ معَ الفُقَراء؟»
فَرَدَّ الرَّجُلُ بِاشمِئزاز: «لَقَد أَخطَأتُما يا سيّديَّ. هَذا الرَّجُلُ أَتَى مُتَأخِّرًا ولَم يَحضُرْ فَقَرَةَ حَفيدِه، فَأَعطَيتُهُ هاتِفي وعَلَيهِ الصُّوَرُ الخاصَّة بِالفَقَرة، لِيُتابِعَ ما قامَ بهِ حَفيدُه!!!» فَخَجِلَ الشّابَّان جِدًّا مِن نَفسَيهِما... ونَظَرا إلى الرَّجُلِ كَي يَعتَذِرا مِنهُ فَلَم يَجِداه، بَل وَجَدا مَكانَهُ الظَّرفَ الّذي أَعطَياهُ لَهُ بِالأَمس!!!
عِندَما تَفعَل خَيرًا، لا تَهتَم بِأَيِّ شَئٍ آخَر، ولا تحكُم على غَيْرِك، كَي لا يحكُمَ النّاسُ عليك...                     
   فَاللّه وَحدَهُ فاحِصُ القُلوب ...

 

Attachment
echos-186-p3.pdf (0 bytes)