في أَحَدِ الأَيّام أَرادَ المَلِكُ أن يُمارِسَ رِياضَتَهُ المُحَبَّبَة وَهِيَ الصَّيد. فَأَخذَ مَعَهُ أَصدِقاءَهُ وحاشِيَتَهُ وصَقرَهُ الخاصّ، صَديقَهُ المُقَرَّب والمُدَرَّب على الصَّيد. سارَ الكُلُّ في الغابَةِ ولَم يَجِدوا صَيْدًا كَما كانوا يَتَوَقَّعون.
وَقَبلَ الغُروبِ سارَ المَلِكُ بِمُفرَدِهِ في طَريقٍ بَعيدٍ بَينَ جَبَلَين، وَكانَ الجَوُّ حارًا، وَعَطِشَ المَلِكُ جِدًا.
طارَ الصَّقرُ عالِيًا بَينَما لاحَظَ المَلِكُ قَطَراتِ ماءٍ تَتَساقَطُ بِبُطءٍ شَديدٍ مِن يَنبوعٍ في أَعْلَى الصَّخرَة. أَمسَكَ المَلِكُ بِكوبِهِ يَجمَعُ الماءَ نُقطَةً فَنُقَطَة حَتّى امْتَلأَ الكوب، وَإذ رَفَعَ يَدَهُ لِيَشرَبَه، فَجْأةً غَطَّ الصَّقرُ على يَدِهِ وَأَسقَطَ الكوبَ مِنْها. وَبِدَهشَة، أَمسَكَ المَلِكُ بِالكوبِ لِيَجمَعَ مِن جَديدٍ قَطَراتِ الماء. وفي لَحظَةِ وَضْعهِ الكوبَ بَينَ شَفَتَيهِ كانَ الصَّقرُ يُكرِّرُ الحَرَكَةَ نَفسَها ثَلاثَ مَراتٍ مُتَتالِيَة.
غَضِبَ المَلِكُ جِدًا ومَلأَ الكوبَ لِلمَرّةِ الرّابِعَة، وَقَبلَ أن يُحاوِلَ شُربَ الماء استَلَّ سَيفَهُ وَقال: «الآنَ أَيُّها السَّيّدُ الصَّقر، إنَّها الفُرصَةُ الأَخيرَة وإلاّ أَتَيتُ بِرَقَبَتِكَ!» لَكِن قَبلَ أن يُنْهي كَلِماته، كَرَّرَ الصَّقرُ ما فَعَلَهُ لِلمَرّةِ الرّابِعَة، وَبِسرعَةِ البَرقِ ضَرَبَ المَلِكُ رَقَبَتَه، فَسقَطَ الطّائِرُ مَيتًا تَحتَ قَدَمَيه.
تَطَلَّعَ المَلِكُ إلى صَقرِهِ المَحبوبِ وإلى صَديقِهِ ورَفيقِ رِحلاتِهِ وَقال: «لَم أَكُنْ أَوَدُّ أن أَقتُلَك، لَكِن هَذا جَزاء فِعلك. لَقَد حَذَّرتُكَ مِرارًا ولَم تُنصِت!» وَهَذِهِ المَرّة قالَ المَلِكُ «سَأَشرَبُ من ماءِ اليَنبوعِ بِيَدي». وَراحَ يَتَسَلّقُ الصَّخرَةَ لِبُلوغِه. وَعِنْدَما وَصَل، وَجَدَ اليَنبوع، لَكِنَّهُ وَجَدَ أَيضًا حَيَّةً سامّةً تُنَفّثُ سُمومَها في الماء.
نَسِيَ المَلِكُ ظَمَأَه، وَتَساقَطَتْ الدُّموعُ مِن عَينَيهِ مُتَطَلِّعًا نَحوَ صَقره، الصَّديقِ الأَمين، الّذي بَذَلَ كُلَّ الجُهدِ لِكَي يُنقِذَ صَديقَهُ من الماءِ المَملوءِ سُمًّا. فَصَرخَ المَلِك: «أَنا بِغَضَبي قَتَلتُك، لَكِنّي تَعَلَّمتُ اليَومَ دَرْسًا لَن أَنْساهُ وَهوَ أَنَّني سَأَثِقُ بِأَصدِقائي ولَن أَقومَ بِرَدِّ فِعلٍ في غَضَبي!»
- 1283 views