مقدّمة
1. عقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان دورته السنوية الخامسة والأربعين في الصرح البطريركي الماروني في بكركي، من الحادي والعشرين إلى السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني 2011، برئاسة صاحب الغبطة مار بشارة بطرس الراعي، وبمشاركة أصحاب الغبطة: غريغوريوس الثالث، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والأسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، واغناطيوس يوسف الثالث يونان البطريرك الأنطاكي للسريان الكاثوليك، ونرسيس بدروس التاسع عشر، كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، ومشاركة نيافة الكردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. وحضر جلسة الإفتتاح سعادة السفير البابوي في لبنان المونسنيور غابريال كاتشا. كما شارك السادة الأساقفة مطارنة الكنائس المارونية والملكية الكاثوليكية والسريانية والأرمنية واللاتينية، وقدس الرؤساء العامين والرؤساء الأعلين، والرئيسات العامات أعضاء المكتب الدائم للرهبانيات النسائية، والأمانة العامة للمجلس، وتغيب مطران الكنيسة الكلدانية لوجوده خارج لبنان.

2. تناولت الدورة موضوع: "الشبيبة، دورها وموقعها في حياة الكنيسة ورسالتها". فقدّم له رئيس المجلس بكلمة افتتاحية رحّب فيها بغبطة الكردينال البطريرك صفير الذي رئس المجلس على مدى خمس وعشرين سنة، كما رحّب بالأعضاء الجدد في المجلس، واستمطر رحمة الله على من غادروا إلى جوار الرب من أعضائه. ثم تحدّث عن موضوع الدورة الذي اختاره المجلس انسجامًا مع التوصية 36 لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط الذي انعقد في روما في تشرين الأول من العام 2010. وقال غبطته ان الشباب هم مستقبل الكنيسة، وهم مرسلون وشهود في مجتمعهم وفي بيئتهم الحياتية، ودعا الرعاة إلى تكثيف التواصل واللقاء مع الشباب والإصغاء إليهم والإجابة على تساؤلاتهم وحاجاتهم الروحية، وذلك من خلال خطط تربوية وراعوية شاملة تختص بتنشئتهم المسيحية والروحية والأخلاقية والوطنية والإنسانية، إضافة إلى التنشئة العلمية الرفيعة التي يتلقونها في المدارس والجامعات المسيحية. كما أمل غبطته من رجال السياسة أن يساعدوا الأجيال الطالعة على اكتساب الروح الوطنية والممارسة الديمقراطية والعمل من أجل الوحدة والمصالحة وعيش التعددية المسؤولة. وعبّر عن استعداد الكنيسة للعمل مع الدولة من أجل "توفير مستقبل أفضل للشبيبة والإهتمام بطاقاتها التي هي ثروة البلاد الكبرى".

3. ثم ألقى السفير البابوي كلمة حيّا فيها رئيس المجلس، في مناسبة ترؤّسه أعمال الدورة للمرة الأولى، منذ انتخابه بطريركًا على الكنيسة المارونية، وحيّا أصحاب الغبطة والسيادة وسائر الأعضاء، وتمنّى لأعمالهم النجاح. وتحدث عن أهمية الموضوع الذي تعالجه الدورة نظرًا لما تعنيه الشبيبة لحاضر الكنيسة ومستقبلها، وللتحدّيات التي يواجهها الشباب اليوم، وانتظارهم من الكنيسة أن تكون إلى جانبهم وتفهّم تساؤلاتهم وتجيب على انتظاراتهم، وتعطي لهم الدور الذي هم أهل له في حياتها ورسالتها.

4. بعد ذلك وجّه أعضاء المجلس برقية إلى قداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر يخبرونه فيها بأعمال دورتهم، ويلتمسون بركته الرسولية عليهم وعلى كنائسهم ومؤمنيهم وبلادهم. كما وجّه آباء المجلس دعوةً إلى قداسة البابا لزيارة لبنان في الوقت الذي يراه مناسبًا. ثم استمع المشاركون إلى تقرير الهيئة التنفيذية والأمانة العامة، وإلى البيان المالي. وباشروا بدرس محاور الدورة، والأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، واتّخذوا قرارات وتوصيات راعوية وإدارية، وأصدروا هذا البيان الختامي.

أولاً : موضوع الدورة
عالج المجلس موضوع الدورة من خلال ثلاثة محاور، هي: واقع الشبيبة، دور الشبيبة في حياة الكنيسة وفي المجتمع، رسالة الكنيسة الراعوية تجاه الشبيبة. وقد عولجت من خلال دراسات واستطلاعات ميدانيّة قدمها مختصّون ومربّون، من كهنة وأساتذة جامعات، رجالاً ونساءً، ومن خلال شهادات معاشة مع الشبيبة وفي الأنشطة الكنسيّة، وحتى مع البعيدين عن الكنيسة. كما تطرّق الآباء إلى الشؤون الإجتماعية والأسرية، واستضافوا معالي وزير الشؤون الإجتماعية في إحدى الجلسات.

1. واقع الشبيبة

درس هذا المحور من خلال نتائج استطلاع ميداني علمي لدى ألف ومئتي شاب وشابة، من عيّنات بعمر 18- 30 سنة، من مختلف الكنائس الكاثوليكية في لبنان، ومن مختلف المناطق اللبنانية والشرائح الإجتماعية، وضمّ الاستطلاع أربعين سؤالاً حول علاقة الشباب بالكنيسة وانتظاراتهم منها. وظهرت من هذه الدراسة أهمية دور الشبيبة في الكنيسة وواقع الشباب وصعوباتهم وانتظاراتهم، فناشدت الرعاة والعائلات ومختلف الفعاليات الكنسية للإهتمام بشؤون الشباب وتقوية شهادتهم الإيمانية، وتحديث لغة تخاطب الكنيسة معهم لتكون مفهومةً لديهم، ومن ثمّ إعطائهم الدور الذي يستحقّونه في حياة الكنيسة ورسالتها.

2. موقع الشبيبة ودورها في حياة الكنيسة وفي المجتمع
أ. عولج هذا المحور من خلال عدّة بحوث صبّت كلها في دراسة أوضاع "الشبيبة وذهنية العصر"، "الشبيبة والإعلام"، "الشبيبة والمجتمع المدني"، "الشبيبة المبتعدة عن الكنيسة"، كيفية "التواصل مع الشبيبة"، وأي "دور يعطى للشبيبة في الكنيسة".
ب. ينظر المجلس بتقدير بالغ وامتنان إلى الالتزام الفعلي لعدد غير قليل من الشباب المسيحي اللبناني في الحركات والأنشطة والمنظّمات الرسولية وحياة الرعايا، وجماعات التطوّع الإجتماعي والمدني. كما يصغي بايجابية إلى ما ينتظره الشباب من الكنيسة من مضاعفة جهودها في الإهتمام بهم واشراكهم في رسالتها الإنجيلية، والإعتماد على كفاءاتهم "ليتحمّلوا مسؤولياتهم في قلب الكنيسة". ولكنه يدرك أيضًا، خطورة وجدّية التحديات التي يواجهونها في عصر سريع التغير والإتصالات، وفي عالم تتصارع فيه القيم والقوى، ويتزايد الإضطراب النفسي وفقدان الإستقرار الإجتماعي والسياسي، إضافة إلى شعور الشبيبة بتهميشهم وضيق سبل بناء مستقبل آمن لهم، وفقدانهم أحيانًا الأمل في تغيير الواقع، فيستسلمون إلى الضياع أو التمرّد أو الهجرة. وكما يتطلّع الشباب إلى دور أوسع وأعمق في الكنيسة، كذلك يتطلّعون إلى دور فاعل ومؤثّر أكثر فأكثر في المجتمع وفي الحياة العامة، و"خلق فسحات يحقّقون من خلالها أحلامهم". وما الثورات القائمة في البلاد العربية اليوم إلا أحد أوجه هذه الطموحات.

3. رسالة الكنيسة الراعوية تجاه الشبيبة
وهنا يأتي دور الكنيسة "الأمّ والمعلّمة" التي ينتظرون منها مواكبتهم في خضمّ هذه المسيرة من دون أن نملي عليهم، فيكتسبون الحسّ النقدي والنضوج في اتخاذ القرارات والمواقف، والبحث المستمر عن قيم ثابتة.
ثلاث خبرات من كاهن، وأسقف، وعلماني عكست الوجه العملي لالتزام الكنيسة قضايا الشباب، ومواكبة شهادتهم الإيمانية وتوقهم إلى عيش هذا الإيمان بصورة جدية. وركّزت الشهادات الثلاث على أهم صفات مصداقية المرشد، ممثل الكنيسة معهم، وهي عمق الإيمان، شفافية العلاقة، بساطة الحياة والتعامل، مع عدم الخوف من دعوتهم إلى مثال أعلى ومنفذ عملي لعطائهم وطاقاتهم الخلاقة. وقد توزّع الآباء إلى فرق عمل استضافت عددًا من الشباب والصبايا العاملين في الأنشطة الرعوية والشبابية، وأسهموا في تسليط الضوء على بعض أوجه التعاون والإبداع في موقع الشباب في الكنيسة، ودورهم في رسالة الإنجيل.

 

ثانيًا: الأوضاع الراهنة في لبنان والعالم العربي
1. يدعو آباء المجلس اللبنانيّين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم السياسيّة إلى ترسيخ الوحدة الوطنية على أساس الميثاق الوطني والولاء الكامل وغير المتجزّئ لوطننا لبنان واعتماد أسلوب الحوار الهادىء والتفاهم، في كلّ ما يؤول إلى سيادة الدولة ومؤسّساتها على كامل أراضيها وإلى استقلالية قرارها السياسي الوطني بعيدًا عن أيّ تدخّل أو ضغط خارجي.
2. إنّ استقلال لبنان، الذي احتفل به اللبنانيّون في مطلع هذا الأسبوع، يقتضي نجاح الدولة في إدارة الشأن العام بقدراتها الذاتية، من خلال مؤسساتها الدستورية وممارسة نظام ديموقراطي يحفظ كرامة كل مواطن، ويعزّز الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وتداول السلطة. ولا يسع لبنان إلاّ أن يستكمل قيام الدولة المدنية القائمة على المواطنة والميثاق الوطني، ويتحصّن بالالتزام الكامل بقرارت الشرعية الدولية ومن بينها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من أجل الحقيقة والعدالة. وأن يحافظ على نموذجية العيش الواحد وحوار الحياة والثقافة بين المسيحيين والمسلمين، آملين إعلانه مركزًا دوليًا للحوار بين الأديان والثقافات والحضارات.
3. ويهيب المجلس بالسلطة السياسيّة إيلاء أمن المواطنين والشأن المالي والاقتصادي والاجتماعي اهتمامًا خاصًا. فلا يمكن أن يظلّ المواطنون مهدّدين في الإعتداء على حياتهم وممتلكاتهم كما هو جارٍ الآن، ويا للأسف. وليس من الجائز الإستمرار في الهدر وتبذير المال العام وعدم وضع سقف للدين العام الذي يتزايد سنويًا بنسبة تنذر بالخطر. فلا بدّ من تشجيع الاستثمار وتحقيق الإنماء الصناعي والزراعي والريفي وإيجاد فرص العمل الضرورية لوقف النزف البشري، لاسيّما الشاب إلى الخارج، وتوفير شروط معيشية لائقة لكل اللبنانيين، فضلاً عن واجب تأمين الخدمات العامة، مثل الكهرباء، والمياه والنقل، والتغطية الصحية للجميع، وخفض سعر الدواء وسلامة البيئة.
4. يحمل أعضاء المجلس في صلاتهم وفكرهم أوضاع المواطنين في البلدان العربية التي تعيش في معظمها آلام المخاض. وفيما يتطلّعون معهم إلى إجراء الإصلاحات السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية اللازمة والضرورية، فإنّهم يدعونهم إلى نبذ اللجوء إلى العنف والحرب، وإلى اعتماد الحوار الوطني الهادئ بين جميع المواطنين من جميع الطوائف المسيحية والإسلامية الذين ساهموا عبر التاريخ في بناء هذه البلدان وثقافتها وحضارتها. وعليهم اليوم أن يعتمدوا طرق التعاون والتضامن والحوار لأجل مستقبل أفضل في خضمّ الأحداث الدامية الراهنة، ولأجل إرساء قواعد الحقيقة والحرية، والعدالة، والمحبة، وهي أساس السلام الحقيقي والحياة الكريمة والآمنة.
5. يدعو المجلس المجتمع الدولي إلى بذل أقصى الجهود لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، على أساس سلام عادل وشامل، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، بما فيها حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وفي إقامة دولتهم ضمن حدود آمنة ومعترف بها دوليًا. كما يبارك المجلس بوادر الوفاق الوطني الفلسطيني الداخلي الذي هو الخطوة الأساسيّة في الطريق الصحيح.

 

ثالثًا: الشؤون التنظيمية والإدارية
تناول المجلس شؤونًا راعويّة وادارية وتنظيمية، في ضوء تقارير عن أنشطة بعض اللجان التابعة للمجلس، كالأمانة العامة للمدارس الكاثوليكيّة، ومرشديّة السجون، وكاريتاس لبنان، وشملت أيضًا ملء الشواغر في بعض اللجان الأسقفية التابعة للمجلس، كما يلي:
1. أقرّ المجلس تخصيص سنة للكتاب المقدّس، تبتدىء في 25/12/2011 وتنتهي في 25/12/2012.
2. تشدّد لجنة الشؤون القانونية والمحاكم الكنسية بمحاولة المصالحة بين الأزواج وإجراء اللازم رعائياً قبل إحالة أي دعوى على المحاكم الروحية للتقاضي.
3. يوصي المجلس بدعم المدارس شبه المجّانية والخاصة من قبل السلطة الكنسية وحثّ الدولة على الأخذ بمبادرتين: أولاً، الطلب بتطبيق البطاقة المدرسية أو تأمين الرواتب والأجور للهيئة التعليمية. ثانيًا، التنسيق والتعاون مع المؤسسات والإدارات المحلية، التربوية والإستشفائية والاجتماعية لتحسين الخدمة الرسولية بعيدًا عن المنافسات.
4. انتخب المجلس التالية أسماؤهم للمراكز الشاغرة:
‌أ.  المطران إلياس رحّال والمطران يوحنا جهاد بطّاح، عضوين في الهئية التنفيذية، عن كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك وعن كنيسة السريان الكاثوليك.
‌ب.المطران إلياس رحّال، عضواً في لجنة الترشيحات، عن كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك.
‌ج. المطران بولس مطر، رئيسًا للّجنة الأسقفية لوسائل الإعلام.
‌د. المطران كيرلّس سليم بسترس، رئيسًا للّجنة الأسقفية اللاهوتية والكتابية.
‌ه. المطران يوحنا عصام درويش، رئيسًا للّجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي.
‌و. المطران كميل زيدان، رئيسًا للّجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية في لبنان.
‌ز. المطران جورج بقعوني، رئيسًا للّجنة الأسقفية للتعليم العالي والجامعي.
‌ح.الأباتي داود رعيدي، نائبا لرئيس اللّجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي.
‌ط.الأب الياس صادر، نائبا لرئيس اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحي في لبنان.
‌ي.انتخب الأب بطرس عازار، أمينًا عامًا للمدارس الكاثوليكية في لبنان.
‌ك.انتخب الخوري جوزف العنداري، مرشداً عاماً للسجون في لبنان.
‌ل.انتخبت السيدة ماريا نالبانديان، مندوبة في مجلس رابطة كاريتاس لبنان عن أبرشيّة بعلبك ودير الأحمر المارونية.
‌م.انتخبت السيدة آمال أبي عازار، مندوبة في مجلس رابطة كاريتاس لبنان عن أبرشيّة بيروت وجبيل للروم الكاثوليك.
‌ن.انتخبت الأخت ثريّا حرّو، مندوبة في مجلس رابطة كاريتاس لبنان عن الرهبنات النسائية.

 

خاتمة
وفي الختام، يرفع الآباء الشكر للرب على نعمة هذا اللقاء السنوي ويضعونه تحت أنوار الروح القدس الذي يقود الكنيسة، ويلتمسون حماية أمّنا العذراء مريم، أمّ الكنيسة. وفي أفق الميلاد المجيد يتمنّون لأبنائهم المقيمين والمنتشرين أعيادًا مباركة ملؤها الفرح. ويستمطرون على لبنان وعلى بلادنا المشرقية نعمة السلام والأمل والتجدد في مستقبل أفضل.