محاضرة القتها الأخت وردة مكسور على الزووم في جامعة المذاهب والاديان في ايران في 21 أيلول 2021
فاللهُ مَحَبّة "وَمَن أَحَبَّ هُوَ مِنَ الله" يَقولُ لَنا القِدّيسُ يوحَنّا في رِسالتِهِ الأولى ، وَيَقولُ أيضا "من قالَ إنَّهُ يُحِبُّ اللهَ ولا يُحِبُّ قَريبَهُ فَهوَ كاذِب" إِذاً لا إنفِصالٌ بَينَ مَحبَّةِ اللَّهِ وَمَحبَّةِ القَريب!" بَيَن الفَردِ وَالجَماعَة" لِذَلِكَ نَفهَمُ أنَّ التَّعليمَ المَسيحِيَّ لَيسَ كَباقي المَوادِ الدِّراسيّةِ وَلَيسَ تَلقيناً لِعَقائِدَ أَو شَرائِعَ لَكِنَّهُ عَملِيَّةٌ تَطالُ الإِنسانَ بِكُلِّ كَيانِهِ كي يُجيبَ على هذه المحبَّةِ وَلأَنَّهُ عَمَلِيّةُ عَرضٍ واسِعٍ لِسِرِّ المَسيحِ نَجهَدُ كَي يَدخُلَ الإِنسانُ بِكُلِّ حَواسِهِ وَكَيانِهِ في سِرِّ المَسيحِ المَكنونِ مُنذُ الدُّهورِ وَالّذي لا يَنتَهي. وَعَمَلِيّةُ التَّعليمِ لا تَنتَهي أَيضًا. فَهِيَ لِقاءٌ جَماعِيٌّ وَشَخصِيٌّ بِالمَسيحِ وَالتَّدَرُّجُ بِالتَّعَرُّفِ إِلَيهِ كَي يُصبِحَ كُلٌّ بِدَورِهِ مَسيحًا آخَر، وَيُشارِكَ في حَياةِ اللهِ فَيَشهَدَ لَهُ بِحَياتِهِ وَيَكونَ مِرآةً تَكشِفُ حُبَّ اللهِ لِلبَشَر
ااا - التربية المسكونيّة من خلال التربية المسيحيّة (1)
المبادىء المسكونية في التعليم المسيحي
المقدّمة: إنّ التعليم المسيحي هو عمل كنسي يهدف إلى تكوين إنسان مسيحيّ يسعى إلى التعرّف إلى الآب وإلى يسوع وأعماله وأقواله وأمثاله والتعرّف إلى محبّة المسيح التي تفوق كلّ معرفة كي يصير الإنسان الكامل ويبلغ القامة التي توافق سعة "المسيح".
فالتعليم المسيحي هو عمل شامل في الحياة المسيحية، ولا يقتصر على فترة من هذه الحياة ولا على مكان معيّن. فهو لا يكتفي بجني بعض المعلومات ولا حتى بفهم عقلي لبعض الأمور، إنّما يتعدّى ذلك لكونه عمل دخول إلى الكنيسة لنصبح أعضاء في جسد المسيح ولننتمي إلى شعب الله.
لا يُمكننا أن ندرك الكنيسة ونحياها ما لم نقبل ذلك الذي كشفها لنا وأعطانا إيّاها. إنّها "السرّ المكنون في الله طوال الدهور" (اف 3/9) أي المسيح الفاعل في التاريخ ومنذ العنصرة حتى مجيئه الثاني في آخر الأزمنة. فالكنيسة هي سرّ الشركة الثالوثية الذي أُعلن للبشر وأُعطي لهم في الكلمة المتجسّد لينالوا "الحياة الأبدية " (ا يو 1/1-3) وهذا مُعطى إيماني جوهري من صميم طبيعة الكنيسة غير المنقسمة، وله انعكاساته على مستقبل العمل المسكوني .
وإنّ ما يجمع الكنيسة، منذ العشاء السرّي حتى لحظة الحدث الفصحي، إنّما هي الأفخرستيا .
"وعندما يجتمع المعمدون حول الأسقف أو (الخادم) ليحتفلوا معًا بالأفخرستيا يكون المسيح حاضرًا، فتكون الكنيسة المحلية كاجتماع سرّي لجسد المسيح". إنّ جماعة الكنيسة المحلية تتألّف عضويًا من عدّة روابط اشتراك، وجوهريًا من رباط الإيمان الرسولي وأسرار الإيمان، وخدم الرسامات أيّ الأسقفية، والكهنوت والشماسية، ومن رباط المحبة - أي القداسة التي كلّ شيء منها ولها .
"فالإنقسامات في كنيسة محلية هي جرح لروابط الشركة، لا بل هي شرح مميت، وهي تؤثّر على العلاقات بين المسيحيين. والعمل المسكوني يسعى إلى تضميد الجراح والشروح بين الكنائس لا بين الأفراد، أي إلى الشركة الكاملة بين الكنائس المحلية لا إلى وحدة المسيحيين. (كوربون)
فكما أنّ الإنسانية تكوّن من خلال عائلة ووطن، فالمسيحية تكوّن من خلال الإنتماء إلى الكنيسة .
والإنتماء إلى العائلة والوطن ليس أمرًا طبيعيًا بل يتطلّب "تعليمًا " من قبل الأهل والجماعة، وكذلك الانتماء إلى الكنيسة .
من هنا كانت المنهجية التي وضعناها وهي تهدف إلى مساعدة التلاميذ والمعلمين على اختلاف انتماءاتهم إلى الدخول في كنيستهم من خلال ما يجمع المسيحيين على اختلاف كنائسهم وطوائفهم. عنينا بذلك الكتاب المقدّس.
(1) العنوان هو قسم من عنوان المحاضرة التي أُلقيت في ايانابا -قبرس وسنوردها فيما بعد بعنوان آخر .
فالمبادىء الكاثوليكية للعمل المسكوني موجودة في الفصل الأول من القرار المجمعي "في الحركة المسكونية" الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني. منه نستطيع أن نستوحي مجمل الأفكار وأن نعالجها. ولكنّنا نذكرها هنا فقط لأنّ الموضوع الأساسي هو خبرة مسكونية واستنتاجات من أبحاث قمنا بها مع التلاميذ في مختلف المدارس .
1) المبادىء الأساسية للتربية المسكونية
1- تحديد الكنيسة : خاصةً ما يتعلّق بتوضيح العقيدة وتجديد التعليم المسيحي بحسب بعده المسكوني .
2- التوبة : توبة القلب، الاعتراف بالخطأ والاستعداد لتبديل العقلية التي تقف بوجه الشركة بين كنائسنا .
3- الصلاة المشتركة: "ليكونوا واحدًا" هي صلاة يسوع بالذات والصلاة التي تسبق الأفخرستيا. (يوحنا 17/21) وقد يجوز للكاثوليك أن يشاركوا فيها "إنّما لا يجوز أن تعتبر المشاركة في القدسيّات كوسيلة تستعمل دون روية في سبيل إعادة وحدة المسيحيين. فإنّ هذه المشاركة ترتبط بمبدأين وهما التعبير عن وحدة الكنيسة، والاشتراك في وسائل النعمة. أمّا التعبير عن الوحدة فغالبًا ما يمنع من المشاركة... وعلى السلطة الأسقفية المحليّة أن تحكم بفطنة على طريقة التصرّف عمليًا (...) ما لم يبت ذلك بصورة مختلفة المؤتمر الأسقفي وفقًا لنظامه الخاص، والكرسي الرسولي .
4- التعارف الأخوي المتبادل : يُشدّد المجمع على ضرورة الدرس برحابة صدر وعلى التعرّف إلى الكنائس الأخرى وعلى عقائدهم وحياتهم الروحية .
ومن المهمّ أيضًا أن نلتقي بأشخاص من هذه الكنائس فنحاورهم لنعرفهم أكثر ولتصبح العلاقة بيننا جدًا أخوية . وهي سهلة المنال أمام الجميع .
5- التنشئة المسكونية: هي أن يدرّس اللاهوت ولاسيما التاريخ من الوجهة المسكونية. "وإنه لمهم جدًا أن يتمكّن رعاة الغد والكهنة من علم اللاهوت هذا بدقة على سبيل الجدل". فالمعاهد الآن تدرّس المسكونيّات غير أننا بحاجة إلى أكثر من ذلك لنفهم أنّ التنشئة على هذه الروح لا تقوم بالدرس فقط بل بالألتزام اليومي أيضًا .
6- طريقة التعبير عن عقيدة الإيمان وعرضها: والمقصود هنا حوار الإيمان بين الكنائس وليس بين الأفراد. فالإيمان هو الرابط الأول للشركة الكنسية، وغاية الحوار اللاهوتي أن تتوصّل الكنائس إلى الاعتراف المتبادل بالإيمان الرسولي، وإلى إعلان هذا الإيمان.
7- التعاون مع الأخوة المنفصلين : هناك حوار المحبة والشهادة المشتركة "والتعاون المسكوني " أن نعمل معًا لنكون واحدًا معه، لكي يؤمن العالم ". إرادة الربّ واضحة في هذا المجال ...
حقول التعاون : - المدارس
- العائلات
- المنظمات الاجتماعية والثقافية
2) مبادىء أساسية للتعليم المسيحي
1- الاستناد إلى الكتاب المقدّس وأخذه كأساس لأنه هو الثابت الأكيد والموحّد بين جميع الكنائس أي "يسوع المسيح كلمة الله ".
2- أن ينفتح معلم التعليم المسيحي على الكنائس الأخرى كي يفهمها ويتعرّف إلى تراثاتها واحتفالاتها وخصوصًا أنّ تلاميذه هم من مختلف الكنائس .
3- أن تشدّد على الأبعاد الأساسية .
4- أن لا نتّبع سنة طقسية واحدة داخل المدرسة ونهمل الآخرين. علينا أن نعرف جيّدًا التلاميذ وكنائسهم وأن نوجّههم نحو الرعية لمتابعة سنتهم الطقسية. ونرسخهم فيها كي يكونوا الحجارة الحيّة والمسيحييين الملتزمين.
5- أن نرسّخ التلميذ أو المشارك في كنيسته وبالأخصّ في رعيته ونشجعه كي يكون داخل كنيسته المؤمن الملتزم والحجر الحيّ .
6- أن نكون على اتصال دائم بكهنة مختلف الرعايا وأن نتحاور معهم باحترام وإذا أمكن نتعاون بالمجالات الممكنة على أمل وحدة الإيمان .
7- من المشاكل الشائكة هي "القربانة الأولى" أو "أول قربانة". لا أدخل بتفاصيل هذا الاحتفال الإيماني الجميل ولكن أتمنّى لو كانت هذه المناسبة تساعد الأهل إلى تفهّم التزاماتهم الكنسية والإيمانية أكثر وأكثر، وأن يعوا ضرورة التعاون في هذا المجال مع كاهن الرعية لأنه يستطيع أن يفهم الأهل أنّ الأرثوذكسي مثلاً أخذوا قربانتهم الأولى في المعمودية . وحبذا لو أعطينا لهذا الاحتفال إسمًا آخر مناسبًا أكثر .
ما هي أمنياتك لهذه الكنائس ؟
- تدعو الأغلبية الساحقة إلى توحيد الكنيسة تحت سلطة واحدة وإلى إتباع العقائد ذاتها وإلى العيش المشترك للسير يدًا واحدة في طريق المسيح، ورفض كلّ فكرة من شأنها أن تؤدّي إلى تقسيم الكنيسة وزعزعتها. وآخرين طالبوا المسؤولين الكنسيين أن يُضحّوا أكثر ويساعدوا الفقراء والمهجّرين لأنّهم يرون نقصًا من ناحية مساندة الكنيسة لأعضائها .
- والبعض طالبوا بأن تحافظ كلّ كنيسة على تراثها مع انفتاح شامل دون تزمّت أو تعصّب كي يُصار إلى خدمة جميع المسيحيين دون تمييز .
- نسبة قليلة جدًا (شخصان) عبّرت عن رأيها بطريقة جارحة جاء فيها "أتمنّى أن تدمّر سقوف الكنائس على رؤوس كهنتها وشمامستها ومطارينها فيُقتلون ونتخلّص من مناظرهم... هؤلاء اللصوص... الذين لا يرحمون الفقراء.
الفروقات والتمنّيات تبيّن بحق مدى بُعدنا عن بعضنا البعض وجهلنا للآخر وانغلاق كلّ منّا على نفسه حتى من الناحية العلمية، فلا نحاول عمليًا أن نلتقي بالآخر وأن نتعرّف إليه، هذا ما يجعل المسافة كبيرة بين الطوائف، لذا يجب علينا أن نسعى إلى كسر هذه الحواجز للمساهمة في العمل المسكوني من خلال التربية الدينية .
التربية المسكونية ومعلمو التعليم الديني
من الأمور التي استرعت انتباهنا هي الذهنية التي يعيشها المسؤولون عن التعليم المسيحي من خلال هذه الفترة الصغيرة .
ألّف مجلس الرئيسات العامات لجنة صغيرة تهتمّ بالتعليم المسيحي ولتنسقه بين مختلف الجمعيات ولتجمع المعطيات الموجودة على الأرض، تألّفت هذه اللجنة من عشرة أشخاص وكنت بينهم، فتبادلنا فيها الخبرات والآراء للتنسيق على هذا المستوى العالي من المسؤولية.
وطرحنا السؤال "ما هو مفهوم الكنيسة عند كلّ واحد منّا ؟". وهكذا لمسنا جماعيًا التهم، والصور السلبية والممنوعات التي منعتنا من الانفتاح على الآخرين وسوّدت صفحتهم عندنا وذلك بسبب عدم احتكاكنا بهم والسعي لتفهّم تراثهم والخبرات التي منحهم إيّاها الرب يسوع.
الأغلبية بيننا كانت لا تستطيع التمييز بين الكنيسة والطائفة وحتى بين البدعة والكنيسة، مثلاً: أحد الموجودين رأى أنّ الكلام مع البروتستانت ممنوع، إذ قال "أنا لا أتكلّم معهم مطلقًا" وراهبة قالت "أنا لا أبحث مع البروتستانت لأني راهبة، فكيف تطلبون منّا إذًا أن نوسّع آفاقنا ونتفهّم غيرنا ؟
مضمون التربية ، المناهج والوسائل (١)
مضمون التربية في العصر الحديث
لقد أضحى العالم اليوم نظير قرية صغيرة أُجبر أهلها بأجمعهم الى التنقّل بسرعة والاختلاط بغيرهم والتعرّف عليهم على أساس من الاحترام المتبادل، وذلك على اختلاف الجذور والديانات، فالعالم بأجمعه وبجميع معتقداته وانتماءاته دخل بيوتنا بواسطة الشاشة الصغيرة والصورة، وهذا ما عبّر عنه بوضوح الأب "بابان " في دورة عن كيفية استعمال الوسائل السمعية - البصرية التي أجريت في 3/11/1994 في معهد العلوم الدينية للجامعة اليسوعية في بيروت حيث قال :
"حضارة الأبجدية نقلت العالم من قبل التاريخ إلى التاريخ وحضارة المطبعة نقلت العالم من دنيا المخطوطات إلى حضارة الكتاب، وفي هذا العصر بالذات انتقلنا إلى حضارة الالكترونيك، ومعها أصبح الانعزال أمراً وهمياً في عالم أصبحت فيه الحدود بين البلدان غير منيعة، ولا تحول دون الاتّصالات البشرية، ولا دون اتصال الناس بعضهم ببعض، كما لا توقف تأثير الحضارات والأديان على بعضها البعض، عبر أمواج الأرسال الأذاعي والتلفزيوني، وهذا ما يسميه البعض الغزو الفضائي".
ونحن اليوم نفكّر كيف سنتمكن أن نؤهّل الأجيال الصاعدة أفضل تأهيل للتفاعل والعيش في عالم واسع وكبير وقد أصبح ضيعة صغيرة حيث الكلّ يعلم ما يجري عند الكل .
وهذه الأجيال على ما أعتقد، تعيش خبرة نجهلها - نوعاً ما- نحن جيل الكتاب والقراءة - تدعونا الى النظر بنوعيّة توجيه طلابنا وشبابنا وأعدادهم ليعيشوا منفتحين على المجتمع وعلى العالم. كما أنها تحثّنا على أن نربيهم على نحو أفضل ممّا ترّبينا عليه.
العولمة أصبحت أمراً واقعاً والانفتاح أصبح القاعدة الضرورية والأساسية للحياة السليمة، وهذا ما سبق للمجمع الفاتيكاني الثاني أن تنبّه له مركزاً الدعوة على الانفتاح على كلّ التيّارات والمعتقدات. فهل نستطيع اليوم أن نتفّهم ما يدعونا إليه المجمع الفاتيكاني الثّاني من اعتراف بالقيم الايجابيّة التي تتجلّى في الديانات غير المسيحيّة، وأن نغتنم كلّ الفرص التي من شأنها أن تجسّد هذا التوجّه الجديد عبر هيئات تهدف الى تقريب المؤمنين من بعضهم البعض .
(1) عنوان المحاضرة التي أُلقيت في مجلس الكنائس، دائرة التربية في ايانابا -قبرس سنة 1995 واجتزأت منها هذا القسم فقط .
وهذا ما يدفعني إلى تبيان أهمية التربية الأخلاقيّة التي تتّصل بالتربية المدنية وأيضاً أهمية الثقافة الدينية وأهمية تربية الإيمان ولكن يبقى أن أشير الى أنّ أهميّتي التربية الأخلاقيّة والثقافة الدينيّة لا يجب أن تدفعاننا الى إحلالهما مكان التربية المسيحية. هذا ما سأحاول أن أبيّنه من خلال حديثي عن ضرورة إدخالّ كل من هذه الأنواع الثلاثة على البرنامج المدرسي كمادة مستقلة ومن خلال إعطائي بعض الوسائل العملية التي من الممكن أن نتسلّح بها ونعيشها .
التربية الحالية هي عملية سياسية. أعني بذلك سياسة الدول التي تضع، برامجها التربوية ، دون أن تترك مجالاً كافياً للفهم والإبداع بل نجدها تركّز على الدرس والاستنساخ وحفظ المعلومات غيباً. وهي لا تسعى الى وضع برامج تأخذ وضع الانسان بعين الاعتبار وتترك له الوقت الكافي للعيش والتمرّس بالخلق الجيد .
فإذا أردنا أن نحسن مضمون لا بدّ لنا من إدخال التربية المدنية ببرامجها الكاملة والثقافة الدينية التي يجدر بها أن تواكب برامج التاريخ ، في مواد الامتحان، وأن يعرض تاريخ الديانات كمادة للدراسة كما سبق وقلنا وكذلك التراث الخاص بكل كنيسة أو ديانة.
فالثقافة الدينية لا تميّز بين مسلم ومسيحي أو يهودي، هي مجرد مادة علمية يجب إدخالها في البرامج الثانوية والتعاطي معها كباقي المواد المدرسية .
والتربية الاخلاقية التي هي التربية على القيَم الانسانية والاخلاقية. فمهّا تفاقمت الاختلافات العقائدية، ومهما اختلفت طرق الصلاة أو التعبير، فالانسان واحدٌ بطموحاته وقيمه. كلنا نتساوى بالبشرية، ويمكن أن نوحّد هذه القيَم وأن نجعل منها برنامجاً موحداً للجميع كالتربية على احترام الآخرين بايمانهم وبكنائسهم. التربية على السلام، على المحبة، على الانفتاح. أعني بذلك أن نتمرّس على اعتبار الآخر كأخ مساوٍ لنا مهما كان ايمانه.الاحترام والتعامل مع الغير باعتبار.
ولا يقوم مضمون التربية على حثّ الجميع على إدخال ايمان الآخرين في تربيتهم الايمانية أو على تدريسهم الاسلام واليهودية والمسيحية، ولكن يقوم على وضع هذه المواد في المكان المناسب لها وايجاد الوسائل الضرورية لإيصالها. هل تساءلنا يوماً عن الفكرة التي تعطيها كتب التاريخ عن هذه الديانات ؟
في الواقع، بعد اطّلاعي على بعض هذه الكتب فوجئت بأن كل كتب التاريخ توجز تاريخ الديانات مرتكزة بالتفصيل على الخلافات بينها (الحملات الصليبية والنعرات الطائفية ...) وتطغي عليها القيم السلبية كحب الظهور والتفاخر والتسلط والعدائية ولا تظهر أبداً الوجه الآخر.
فهل يمكن أن نصف الديانات بموضوعية اذا كان التاريخ قد قدّمها بهذا الشكل، واذا كان الواقع المُعاش أقسى بكثير ؟
هلاّ بحثنا عن النقاط الايجابية وأبرزناها كما فعل الأب حليم عبد الله في كتابه "الوجه الآخر للحرب في لبنان" فنرى عنده أبطالاً يعيشون قيَم المحبة والأخاء والألفة رغم كل الحروب والظلم والظروف القاسية ؟ هل يهتم كي تكون المعلومات صحيحة ووافية كي لا تأتي مبتورة ؟
فإذا أردنا نستطيع أن نضع منهاج ثقافة دينية يتماشى مع عمر الأولاد، ولكن المهم أن تميز بين المستويات الأربعة التالية:
- التربية المدنية
- التربية الاخلاقية والاجتماعية
- الثقافة الدينية
- التربية المسيحية
لِمَ مثلاً لا تخصّص الجامعات برامج تُعنى بمحتوى هذه التربية فتضع هذه المواد وتخصّص دروساً للتراث المسيحي العربي وللتراثات المشتركة بين الكنائس وأخرى للبحث في كتب المصادر والتعريف بالثقافات المختلفة، ونرى أن تدريس الاسلاميات وحده في كلية الآداب العربية يتبوأ المراكز المهمة، ولا نــرى للثقافات الأخرى أي وجود . فهل هذا حصل عن قصد ؟ أم أنه مجرّد إهمال ؟
إن الانسان عدو ما يجهل، ولكن العدو الحقيقي هو عندما تقوم التربية على محاربة الأعداء وعلى اعتبار الآخرين أعداءً. وهذا يترسّخ عند الأولاد منذ طفولتهم. فهل تستطيع الثقافة أن تغيّر هذه المواقف العدائية ؟
لا يجوز لنا أن نتخلى عن التربية المسيحية، بل علينا أن نسعى الى تربية البالغين الذين سيؤثرون على الأجيال .
فالمثلث الأساسي للتربية أصبح رباعياً، إذ أن التربية تتّم في هذه الأيام عبر الشاشات الصغيرة وهي تحمل قيماً غريبة عن محيطنا وبيئتنا وتكوّن الشخصية وتأخذ منها وتعطيها ثقافة معينة لا نسيطر عليها أبداً، إذ أنها تأتينا من كل بلدان العالم وتحمل مشاكلها وتدخل الى قلبنا وذهنيتنا دون اعتراض لأن أكثر الناس لا يملكون الثقافة والمعرفة الكافية ليميزوا بين الحسن والأحسن ويدافعوا عن أنفسهم رغم كل ما حدث من تطورات لا تزال باجتماعاتنا نركز على الثقافة وعلى المعرفة الكتابية وكأننا نتجاهل كل ما يحمله الينا الكومبيوتر والتلفزيون ويميّز هذا العصر. إن الأجيال الجديدة تتأثر بالأثنين معاً أكثر من تأثرها بكل ما يُكتب أو يُقرأ. فأيـن نحن مــن وسائل الاعلام هذه ؟ وما هي منتوجاتنا بهـذا المجال ؟ هل نستعين بها في عملنا التربوي الحالي ؟
5) بعض المعلومات الأساسية ومناهج تطبيقية
1- معرفة الذات (التربية الدينية )
فكل جماعة مؤمنة تُعنى بتربية ايمان أبنائها، وهنا أستند الى التربية المسيحية التي وضعتها في القسم الأول أي تربية الايمان والمنهجية الخاصة بكل جماعة .
وأما ما يخّص المسيحيين بمجمل كنائسهم، فيجوز أن نتخّذ الكتاب المقدس كأساس لمناهجنا لأنه وحده يجمع المسيحيين على اختلاف كنائسهم وطوائفهم، وهو نفسه يحدّد المنهجية والطريقة في التعليم .
- التعرّف الى الكتاب المقدس والى يسوع المسيح بكل ما قاله وفعله والى ملكوت الله والكنيسة والأسرار وسرّ الثالوث الأقدس وسرّ التجسّد وسرّ الفداء وبالوقت نفسه التمرّس على الصلاة الشخصية والجماعية وعلى كيفية الغذاء من كلمة الله وعيش الليتورجيا والدخول في روحانيتها .
2- معرفة الآخرين (الثقافة الدينية )
- التقليد الكنسي والتراث الليتورجي
- التاريخ: تاريخ المسيحية وعلاقتها بايمان مختلف الأدياكيفية التعبير عن الايمان عبر التاريخ والثقافات الخاصة والعامة.
- الفنون الكنسية :
اللحن والترنيم ؛
الأيقونة وأشكال الرسومات .
- كتب الديانات الأخرى
- التقاليد والعادات
- تاريخ الديانات الأخرى :
اليهودية
الإسلامية
البوذية
الهندوسية
- عيش الايمان (كيف يعيشون ؟ )
الصلاة وأوقاتها ومحتوياتها
العبادة
الروحانية
- اللقاءات العامة الروحانية لمختلف الديانات التي تمّت في أسيز للصلاة أو اكتشاف هذه الصلوات .
من المهم أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار الفروقات المهمة الموجودة بين الاسلام والمسيحيين وذلك بتفهّم التعابير والكلمات الأساسية :
الجامع هو مكان التجمّع
الكنيسة هي مكان الصلاة
الهيكل هو مكان وجود الله بين شعبه .
وذلك، لكي لا نتصوّر أن هذه الأماكن هي نفسها للجميع فهي تختلف بالمعنى ولو كانت للعبادة .
- القيَم المشتركة والأساسية في حياة الانسان كالحرية والمساواة والعدالة والتمّرس على عيشها في حياتنا اليومية .
2- الوسائل والنشاطات المناسبة لهذا المنهاج
أركّز في هذا القسم على الناحية التطبيقية والعملية، وأذكر بأن هذه المناهج التي أقدمها لا تحّل مكان التربية الدينية بل تكون الى جانبها، لا بل تساندها. ويفترض أن لا تأخذ أبداً من وقت التعليم الايماني الذي ذكرته في القسم الأول من هذا البحث.
إذاً، كيف نتصوّر برنامجاً يهدف الى كشف معالم الديانات الأخرى تاريخها، تراثها، ايمانها ورجالاتها والتعامل معها . إجهل هو عدو للإنسان، والمعرفة تمهّد للّقاء بالآخر والتعاون معه .
لذلك، أقسم الجماعات الى قسمين :
1) المدرسية
في عمر الدراسة إن كان داخل المدرسة أو خارجها وهو مقسمٌ على ثلاث مراحل :
- المرحلة الابتدائية أي من عمر 4-10 سنوات
- المرحلة التكميلية من عمر 11-15 سنة
- المرحلة الثانوية من عمر 16-18 سنة .
2) للبالغين
أي معاهد اللاهوت - الشبيبة الجامعية - مراكز التنشئة وكل التجمعّات النسائية أو العائلية .
المناهج المقترحة للابتدائي
في هذا العمر، يحب الولد التقليد، فهو كالسعدان يعيد حركات وتصرفات البالغين وغيرهم، تقليد الأشخاص الذين يلتقي بهم أو يعيش معهم .
- قصص حيث الأبطال هم من ديانات مختلفة وهم يعيشون بأمان وسلام ويحبون بعضهم ؛
- قصص مختارة من الكتاب المقدس مصوّرة .
- ألعاب تقوم على تقوية الروح الرياضية والقيَم الانسانية كالصدق والتعامل الايجابي والأخوي- المسامحة وتخطّي الحواجز .
- زيارات : تنظيم زيارات الى أماكن العبادة ومشاهدة المصلين فيها على اختلاف دياناتهم .
- أغاني : الولد يحّب أن يغني والأهم أن تكون الأغاني ذات قيمة ومغزى أخلاقي .
الأوقات
ساعة في الأسبوع في المدارس أو في الرعية يوم الأحد بعد القداس أو السبت بحسب توّفر الأوقات .
للتكميلي (من 11-15 سنة )
في هذه المرحلة يتموضع الانسان في المكان والزمان ويبحث في كل شيء عن الأصل وعن القرابة ودرجتها ويشعر أنه غريب عن نفسه وها هو يسعى وراء المثل .
- قصص أشخاص تاريخية من مختلف الديانات قاموا بأعمال في خدمة الانسانية (غاندي - مارتان لوثر كينغ - مكسيميليان كولب ...)
- لقاءات متعددة مع شخصيات حيّة تقوم حالياً بخدمة المجتمع في كل بلد وتتعاون مع الآخرين (وزير - كاهن - شيخ - مطران - رئيس بلدية - عامل بريد ...)
- عرض أفلام كالرسالة وحياة المسيحيين أو أعمال الرسل ...
- تأليف ترانيم بحسب لحن معروف تغيّر الكلمات فقط
- زيارة أماكن العبادة وتنظيم صلوات مشتركة من مختلف الديانات والكنائس .
للثانوي (من 16-18 سنة )
في هذه المرحلة أصبح الشاب والفتاة في عمر الاكتساب الحقيقي وتركيز المواقف وفهم القيَم .وفي الواقع يخفي حائط من الجهل الاخر ويشوه صورته كما رأينا ذلك بالنسبة الى الكنائس ايضا .
-عرض تاريخي وموضوعي ووضعي لكل الديانات والقيَم فيها .
ومن المهم أن يتّم ذلك بواسطة أبحاث يقوم فيها التلاميذ كجماعات ويكون لديهم المراجع الكافية فيقومون باختصار المعلومات وكتابتها وعرضها على الصف بطرق حيّة .
- دعوة أشخاص من مختلف الديانات والكنائس لدرس موضوع معيّن يهّم هذه الفئة من التلاميذ لابداء رأيهم مثلا :
الاجهاض ومواقف الديانات
الطفل الانبوبي ومواقف الديانات
معنى الحياة
الحياة بعد الموت
Euthanasie
القسم الثاني المقصود أي البالغين
معاهد التنشئة :
- دروس كافية ووافية عن مختلف الديانات.
- التعرّف الى الكتب المقدسة أقلّه اسمها ومحتواها.
- مسيرات صلاة ودروس خاصة تُعنى بالتراثات المختلفة وبروحانية الديانات ومؤسساتها.
الشبيبة الجامعية والحركات الطلابية :
- تنظيم مسيرات يشترك فيها طلاب من مناطق يسكن فيها مواطنون متعددو الانتماءات والديانات والتوقّف في كل بلدة واللقاء مع أهلها والتحدّث اليهم والترنيم معهم.
- عرض مسرحي يقوم فيه طلاب العلوم المسرحية ويبيّن كيف يتعامل الناس مع بعضهم ويتعاونون ويبدعون في مجالات الحياة ولا يفصلهم شيء فيقدم لهم مثالاً من التعايش مهماً قد يحلمون به ولما لا ؟ الحلم يجوز.
- مخيمات صيفية مختلطة يتّم خلالها تبادل الخبرات وشهادات الحياة وتركّز على بناء عمل جماعي أو تجميل منطقة يحلو للإنسان أن يعيش فيها
- ألعاب رياضية تكون على متناول الطلاب بأسعارها وتسمح لهم أن يصرفوا ما عندهم من زخم وقوة وتكون منظمّة بخدمة الجميع.
- رحلات سياحية منظمة مختلطة تجمع بين طلاب معاهد اللاهوت أو الأمهات أو العائلات دون الأولاد.
- تنظّم إمّا على أثر الرسل للمسيحيين
- إمّا في بلاد الحّج أو في مناطق تميزت بتحقيقها للسلام وشرح ما هو أثري وتاريخي
-إمّا في أي مكان آخر.
فالعيش المشترك هنا له أهمية كبرى وخصوصاً معاً وفي رحلة واحدة.
إذا أمكن قصد شخصية - عالم أو إحدى معالم البلاد والتحدث اليه مع توظيف كل من الجماعة المشاركة منهم من يسأل منهم، من يكتب منهم، من يصوّر منهم، من يسجّل ...
وعند العودة، تحقيق مجلات أو كتب نذكر كل ما جرى (لكل رحلة كتيّب).
- دراسات لاهوتية ومقارنة بين مختلف الديانات وايمانهم.
3- الخطوات العملية
1) إن هذه الوسائل مهمة ولكنها بحاجة الى كوادر وأشخاص تنظمها وتحبها وتقوم بها. ولا بدّ أولاً من تدريب هؤلاء وإعطائهم الامكانيات والوسائل الكافية كي يتمكنوا من المبادرة بخط جديد. فالأفكار والبرامج وحدها لا تكفي، بل يجب ايجاد المنفذين وتسليمهم هذه المسؤولية لكي بدورهم يجدون أشخاصاً جديرين بهذه المجالات . وهكذا تتوسّع البقعة لأنهم يهتمون بتدريب وتفعيل الشباب وعيش تجارب ايجابية تساعد على تعميق ابعاد القيم الجتماعية والخلقية وغيرها .
2) إعداد نواة ملتزمة مسيحياً في مجال السمعي - البصري والمجال الالكتروني والطلب اليها تأليف مجموعات تربوية تقنية لنشرها عبر التلفزيون أو الفيديو .
3) إدخال الثقافة الدينية في المدارس كي تساند التربية المسيحية وإعطائها الوقت الكافي مع التعاطي معها كباقي المواد المدرسية مع إجراء فحوصات وعلامات .
4) برمجة المواد الجامعية وإدخال في بادىء الأمر في الجامعات المسيحية مادة "كالتراث المسيحي العربي " أو الوثائق الأساسية في مختلف الديانات أو تاريخ الديانات وحياتهم وايمانهم ومعتقداتهم .
- الاسلام
- المسيحية
- اليهودية
- الهندوسية
- البوذية ، الخ ...
5) إعطاء الوقت الكافي للتربية على السلام وعلى العيش بدلا من إعطاء المعلومات المكثفة وحشوالرأس .
6) السهر كي لا تكون هذه الثقافة على حساب التربية المسيحية أو الدينية أو الايمانية فلكل أهميتها .
7) تكريس وقت داخل البرامج المدرسية للزيارات بأهداف تربوية، مساعدة الأولاد والتلاميذ كي يتمتعوا بجمال الطبيعة أو الزهور أو الجمال .
خاتمة
إن هذه البرامج هي مجرد مقترحات وردت ووجدت كي تفسح أمام المشاركين المجال للبحث
بضرورتها أو عدمه لإكمالها أو لرفضها ولكنها تفسح مجالاً واسعاً .
عسانا نأخذ من ذلك منهجاً أو وسيلة نجدها في خدمة الانسان ودعوته الخاصة في هذا الكون .
عسانا نجمّل هذه القرية الصغيرة ونقوّي فيها المحبة والسلام .
بيروت في 15 نيسان 1994
التربية المسكونيّة من خلال التربية المسيحيّة (1)
في الكنيسة
وفي المجتمع
(مراجع)
1- مجلة النور عدد 7 سنة 1975صفحة 204
مجلة النور عدد 2 سنة 1982
مجلة النور عدد 2سنة 1987
مجلة النور عدد 5/6 سنة 1988
2- المجمع الفاتيكاني الثاني : - نور الأمم
- قرارمجمعي في الحركة المسكونيّة
3- المنارة عدد 28 -خاص -1987
4- المسرّة عدد 685 - 686
عدد 687 - 688
عدد 689 - 690
عدد 691 - 692
عدد 723 - 724
5- الحوار بين الكنائس " - شارل مالك - منشورات دارالكرمة .
6- 2000 ans de christianisme: œcuménie
7- مجلس كنائس الشرق الأوسط، المدارس التابعة للكنائس في الشرق الأوسط، رسالتها ومهامها. المطبعة الكاثوليكيّة - لبنان1988.
(1) محاضرة أُلقيت في الحلقة الاستشارية 24-31 تشرين الأول 1989 في دير ايانابا -قبرس في قسم التربية لمجلس كنائس الشرق الأوسط . ونشرت في "التربية المكسونية " تقرير اجمالي 1989.
"رجاؤنا أن تثمر الوزنات التي أُعطينا إذ أكلتنا غيرة بيته ".
- نتكلّم لأنّه لا بد من الكلام هنا ولا بد أن يدوي الصوت ألى أبعد .
- نتكلّم حتى تصبح الكلمة المسكونيّة متجسدة فينا وفي الآخرين .
- نتكلّم لأن الكلام ينم عن شجاعة قد تكتمل بعمل نرجوه سريعاً .
- نتكلّم ونعمل بما أعطينا من مواهب وإمكانيات على الأرض والروح الذي يهبّ حيث يشاء هو الذي يعطي لمواهبنا إمكانيّة الحياة والمثابرة في خدمة البشارة وفي خدمة الكنيسة المعلِّمة .
والخدمة الأولى هي التربية المسيحيّة المُلقاة على عاتق كلّ إنسان أراد أن يلتزم بالمسيح وأن يبشِّر به، كاّ إنسان بحسب الموهبة التي أُعطيت له. وهذه التربية تتمّ من خلال كلّ ما تحمله العائلة من معتقدات وأفكار بالإضافة إلى التيارات التي يتعايش معها في المجتمع وفي محيطنا الأكبر . هذه التربية بشّر بها الإنسان بطريقة عفويّة وغير واعية وعبّر عنها بحياته بطرق مختلفة دون أن يدرك أبعادها الحقيقيّة ودون أن يرتكز على معلومات صحيحة اختبرها أو بحث عنها .
أولاً : واقع التربية المسيحيّة الحالي في لبنان، أي الشكل الذي نحن فيه الآن في لبنان :
كلّنا يعلم أنّ مكان التربية المسيحيّة الحقيقيّة هو الكنيسة المحليّة، وأنّ هذه التربية هي عمل يدوم طول الحياة ولا ينتهي أبداً. أما في لبنان فقد انحصر في التلاميذ وفي المدرسة من خلال الساعات المُخصّصة داخل البرنامج لهذه التربية.
فالمشاكل المتأتّية من هذا الوضع عديدة ولاسبيل لنا هنا أن نذكرها لأنّها ليست محور بحثنا الأساسي هنا .
نركّز في هذا العرض على واقع التربية الحالي، فننطلق أولاً من خبرة عشناها عدّة سنوات مع الشباب الجامعي. وثانياً من خلال دراسة صغيرة قمنا بها في مدرستين من بيروت لكي نقيس نسبة المعلومات التي يحملها طلابنا عن الكنائس، ونوضح الأفكار الموروثة عن بعضنا البعض، آملين أن يفسح المجال للتربية المسكونيّة للدخول في هذا المنطق . وثالثاً على خبرة لجنة التعليم الديني التي ألّفتها الرئيسات العامات للتعليم المسيحي والتي تكمل صورة هذا الواقع .
1) في مخيّم للرعيّة الجامعيّة :
أقيم سنة 1982 في منطقة جبيل، كان هناك نحو 76 طالباً وطالبة من مختلف الجامعات الأميركيّة واللبنانيّة واليسوعيّة الخ... ومن مختلف الطوائف أيضاً، كانت الخبرة جميلة جداً أذ شهدنا اندفاعاً قويّاً للشباب وعطاءً لا محدوداً وإيماناً كاملاً بالمسيح.
بعد تحضير دام ثلاثة أيام للرياضة والصلاة والتفكير... أخذنا يوم تحضير للرسالة وحمل الكلمة التي سنقوم بها في القرى المجاورة... حضّرت شخصيّاً مع الطلاب لعمر 11 و 14 سنة فأخذنا إنجيل زكا العشّار. ولكن الطلاب إنطلقوا حاملين ما تعلّموه ليعرضوه على فريق هذا العمر في الضيع المجاورة، وأمام الجموع،فقدوا أو نسوا المعلومات ولم بستطيعوا أن يجدوا المرجع لعدم تمكنهم من فتح الإنجيل . فعادوا مساءً وأخبرونا ما حدث معهم .
وبعد أن أجرينا تعديلات في الفرق، أُرسل الطلاب من جديد وعلى مدّة 15 يوماً، كانوا يقومون بهذه الرسالة ويحتكّون بالشعب الذي كان ينظر إليهم بتقدير ويطرح عليهم أسئلةً إيمانيّة مهمّة فيجدون نفسهم غير قادرين على الإجابة.
وعندما اجتمعنا لتقييم المخيّم، كانت المفاجأة الكبرى، إذ راح الشباب يقولون: لماذا تعلّمنا الفلسفة والرياضيّات والعلوم ولم نتعلّم شيئاً عن إيماننا أو ديانتنا؟ "نحن نلقي الملامة عليكم"وأشاروا بأصابعهم نحونا، أي القيّمين على هذا المخيّم من كهنة ورهبان وراهبات .
ومرة أخرى لمسوا أنّهم لا يعرفون إبراهيم أو إسحق أو يعقوب ... والبعض يعرف فقط أن يذكر أسماءهم ...
ولا شك في أنّ هذا الواقع كان حافزاً للشباب لمتابعة التنشئة الروحيّة وطلبها بإلحاح. أما بالنسبة لي فإن كان آلمني جداً الاّ أنّه أحدث عندي ردّة فعل قويّة أعطتني ديناميكيّة كي أتابع هذا العمل وكي أهتم به بجدّية فأنظر إلى التوجيهات الهامة التي أستنتجها من هذه الخبرة، فأفتح الطريق لكل إنسان أرادأن يوسّع آفاقه التربويّة وأن يتعرّف إلى الكتاب المقدس .
2) إستمارة إستشاريّة وإستفتاء صغير :
عندما طلب منّي أن أحاضر في هذا الموضوع، فكّرت بأنّه غالباً ما نحمل أفكارنا عندما نجتمع في مؤتمرات ونتدارسها، وقليلاً ما نسمع ما يقوله لنا الآخرون أي الطلاب الذين ما زالوا في حقل التنشئة وما زالوا بنتظرون منّا أن نعرّغهم إلى المسيح وكنيسته، وأن نفتح لهم طريق المعرفة الأخويّة المتبادلة، حتى نرسّخ عندهم رغبة التعاون على أسس إنجيليّة صافية تقضي على عوامل الخلاف والحذر التي نعيشها بين الكنائس. لقد استندت الدراسة إلى استفتاء لعيّنة من 64 تلميذاً موزّعة على مدرستين فقط في بيروت، ولا تمثّل كل المدارس ولا كل المناطق . بل هي بحث تمهيدي يهيّء إلى دراسة أوسع وأدق في الموضوع عينه . فالحصيلة التي ستعرض أمامكم هي تماماً كما وردت على ألسن التلاميذ الذين ملأوا استماراتنا .
لقد جُمعت نتائجها في عدّة جداول بيانيّة أُدرجت في صلب النص أو في الملحق وهي تشكّل قاعدة التحليل الصغير الذي قمت به. وأود الإعتذار عن أن ضيق الوقت الذي أُتيح لي للقيام بهذا العمل منعني من أي سعي إلى إغناء التحليل بمعطيات مقارنة كافية إذ لم أتوجّه الى كل المدارس التي تخص مختلف الطوائف مع أنّها متوفرة في لبنان .
لقد أُجريت فقط فقارنة صغيرة ما بين المعطيات الواردة في المدرستين لأنّي لاحظت أنّ ثمّة فوارق ظاهرة ومهمّة بين الإثنين .
فالهدف من هذا الإستفتاء أن نصف الواقع وأن نبيّن الأفكار والصور الراسخة في ذهنيّة الطلاب والإتهامات التي يحماها المؤمنون في قلوبهم ونحو بعضهم البعض .
أملي بذلك أن أعطي فكرة صغيرة ولكن واضحة عن الواقع المُعاش وأن أحدّد نقاط القوة والضعف في واقعنا وفي كنائسنا النتعدّدة كي يتسنّى لنا الإنطلاق من هذه النقاط بالذات لنرسم الخطوط العريضة لتربية مسكونيّة من خلال التربية المسيحيّة.
2- كيف تمّ هذا الإستفتاء :
لقد تمّ هذا الإستفتاء كتابيّاً داخل المدرسة وفي صفوف البكالوريا .
3- تركيب العيّنة وميزاتها :
من جهة تركيب العيّنة، يتّضح أنها تضمّ نسبة ضئيلة من الذكور أي 16.66 ونسبة مرتفعة من الإناث، ويتوزع هؤلاء على نوعين فقط من المدارس الخاصة التي تسيطر على كلٍّ منها نسبة مئويّة مرتفعة من طائفة معيّنة كما تبيّن لنا الجداول التالية:
أ - تركيب العيّنة :
الجنس السكن العمر ذكر انثى بيروت خارج بيروت 14-15 16-17 18 وما فوق
مدرسة "أ" 1 33 1 1 3 23 8
% 3.33 97.20 3.33 8.82 67.64 23.52
مدرسة "ب" 5 25 27 3 1 23 6
% 66.16 83.33 09 10 3.33 76.66 20
ب - التكوين الطائفي لهذه العيّنة :
بروتستنتي روم ارثوذكس روم كاثوليك ماروني سريان أرثوذكس ارمني
مدرسة "أ" 5 9 18 2
% 16.66 30 52.94 6.66
مدرسة "ب" 22 2 5 1 1
% 73.30 6.66 16.66 3.33 3.33
نلاحظ أنّ أعلى نسبة هي للطائفة المارونيّة في المدرسة "أ "، وأعلى نسبة هي لطائفة الروم الأرثوذكس في المدرسة "ب ".
وتبيّن لنا من خلال هذا الجدول أيضاً أنّ الطوائف مختلطة في المدارس ومتعايشة أيضاً . وهي بذلك تعطينا صورة حيّة عن المجتمع اللبناني بواقعه الحالي وباختلاط كنائسه وطوائفه ولا أقول مختلف الأديان .
ج - كيف تظهر هويّة كل طائفة من خلال هذا الإستفتاء :
1- من هو البروتستنتي
مدرسة "أ"
8 مسيحي
9 لا جواب
2 لا اعرف
1 لا يوجد أي تفرقة. هو اخي الإنسان.
- كل من يتبع الكنيسة البروتستانتية على رأسها القسيس
لا يؤمن 7
45 بالعذراء
1 بانّ العذراء بتول
لا يعطي اهمية لدور العذراء.
-ينتسب إلى كنيسة انفصلت عن البابا بسبب بتولية العذراء.
- ينادي بالأخوة والفقر، تيدو عليه
- مظاهر الأخلاق .
- يهتم كثيراً بالأخلاقيات ..
- يتبع مذهباً من مذاهب الكنيسة .
- يخاف من عدم خلاص نفسه . مدرسة "ب"
يؤمن
14
8 بالّه
5 الواحد
2 الرب
1 بالمسيح
لا يؤمن 30
1 بالعذراء
9 بمريم
8 بالصور
5 بالقديسين
- لا يؤمن أن المسيح أتى من الروح القدس .
- - يحترم العذراء والقديسين ويصلي صلاة خالية من
الأيقونات . مرجعه الوحيد الكتاب المقدس .
- عليه أن يؤمن بالعذراء
2- من هو الأرثوذكسي؟
مدرسة "أ"
مسيحي 4
لا جواب 5
الذي لا يتبع
4 الحبر الأعظم
لا يتقيّد بكنيسة روما
لا يؤمن ببابا روما
- مثل البروتستنتي
- يتبع الكنيسة المسيحية
- له سلطة كنيسة عليا غير السلطة التي أخضع لها.
- شرقي ذو تراث عريق في الدين، يتمسّك بالتعليم القويم ولكنه - بذلك يرفض بعض التطورات في الكنيسة.
ن - كل من ينتمي إلى الكنيسة الشرقية البيزنطية وعلى رأسها الإلهية.
- البطريرك المسؤول عن المنطقة بأكملها المسيحية .
مدرسة "ب"
مسيحي 1
يتبع الطقوس البيزنطية انا
يعتقد أن عقيدته مستقيمة.
يعتقد أن عقيدته هي الأصح .
كتابه الإنجيل المقدس
أصله بيزنطي يحتفل بالذبيحة الإلهيّة .
هي الطائفة الأم والمصدر الأول للديانة المسيحية
صورة إيجابية عن الذات ومعلومات عقائدية.
3) من هو الماروني
مدرسة "1"
2 مسيحي
4 لا جواب
1 أنا
التابع 7
5 لكنيسة روما
2 لمار مارون
- متعصّب جدًا. عنده انغلاق على الآخر إذ يعتبر نفسه الأفضل.
- متمسّك بديانته، من الصعب تغيير رأيه أو إقناعه بأي فكرة أخرى.
- مسيحي فقير الأصل ولكن سيطرته على الحكم أبعدته عن إيمانه الأول المتجرّد .
- إسمه مقرون بتاريخ لبنان .
- كاثوليكي ولكن قداسه أقصر .
- يرسم إشارة الصليب بخمسة أصابع .
مدرسة "2"
10 لا أعرف
يوؤمن
8 بالله
2 بالقديسين
2 بالعذراء
- ينقسم عن الكاثوليك ويتبع مار مارون.
كاثوليكي يصلي بالسرياني .
تابع للكاثوليك ويؤمن بالكاثوليك
يرســم إشــارة الصــليب بالخمسة .
4- من هو الكاثوليكي
مدرسة "أ "
4 مسيحي
7 لا جواب
1 لا أعرف
- يتبع بابا روما، كنيسة الفاتيكان روما.
يؤمن ببابا روما.
- طائفة من الكنيسة.
- - أنا.
- مسيحي يتبع البابا في روما ويخضع لسلطة الكنيسة.
- ينتمي إلى كنيسة منفتحة ولكنها مليئة بالأخطاء التاريخية.
- من يؤمن بثلاثيّة الروح .
- إشارة الصليب بثلاثة أصابع
مدرسة "ب "
11 لا جواب
6 يتبع الحبر الأعظم
يؤمن 8
باللّه الواحد والكنيسة الواحدة .
بالبابا .
بالله وجميع القديسين .
بالله والعذراء والقديسين .
بالبابا ويصلي مثل الروم .
مثل الماروني ولكن تراتيله تشبه الروم .
ينتمي للفاتيكان .
يختلف عن الأرثوذكسي ببعض العقائد .
قداسه مثل قداس الروم الأرثوذكس .
يصلي كالروم ولكن علاقته مع البابا والفاتيكان .
ج - كيفيّة توزيع المعلومات :
نلاحظ أيضاً أن المعلومات ضئيلة جداً إذ أنّ الأكثريّة قالت : من يصلّي باللغة الأرمنيّة أو السريانيّة ولم يكن هناك أي تحديد. والزيادة على ذلك يذكرها لنا الجدول السابق إذ أن الإمتناع عن أي جواب سيطر عند العدد الأكبر. وعدم الجواب آتٍ أيضاً من اللامبالاة وعدم الإكتراث لميزات الآخر .
بعضهم من احتجّ وقال : أنا لا أفرّق أبداً فلا أعطي جواباً ...
وهذا الجدول الأخير له الأهمية الكبرى فيما نقول لاحقاً . لأن ما يلفت النظر هو جواب المدرسة "ب "البروتستنتي يجمع أكبر عدد والروم الأرثوذكس لا يأخذ ولا جواب من هذه الفئات .
4-ما هي الفروقات التي نجدها ؟
1) نسبة قليلة قالت لا أعرف الفرق .
2) الفرق غير موجود .
الفروقات شكليّة وضعها الفكر البشري وكلّها تعود الى التنازع السياسي عبر التاريخ ولأسباب أخرى نجهلها. هذه الفروقات هي ظاهرة خارجيّة لأنّ الجميع يؤمن بالله الواحد. ونسبة الذين يعتمدون هذا الرأي كبيرة جداً.
3) الإختلاف موجود في طريقة العبادة .
نلاحظ اختلافاً في اللغة التي تصلي بها كل طائفة وفي كلمات وألحان التراتيل. هذا الإختلاف يظهر أيضاً في هندسة وتصميم وتزيين الكنائس وفي طريقة القداس والوقت المخصّص له، مثلاً: وقت قداس الروم أطول من وقت قداس الموارنة. كما أن لكل جماعة شفيعاً خاصاً بكنيستها .
4) الإختلاف موجود في الطقوس والممارسات الدينيّة والسلطة الدينيّة، الكاثوليك يتبعون البابا .
ويلاحظ اختلاف في تحديد مواقع الأعياد زمنيّاً خاصة عيد القيامة، كما في طريقة تطبيق الأسرار : الزواج، العماد، الجنازات، المناولة الأولى وسر الإفخارستيا .
والإختلاف معكوس على تفكير الأشخاص لأن كل فرد يشعر أنّ الطائفة التي ينتمي إليها تنفرد بمفهوم ديني يجعلها مُميزة مما يخلق التفرقة الطائفيّة .
وقد ردت أسباب الفروقات وكُلّها ثانويّة يتلهى بها المسؤولون لتكوين أتباع لهم يختلفون عن غيرهم بعض الشيء ...
5- ما هي أمنياتك لهذه الكنائس؟
- تدعو الأغلبيّة الساحقة إلى توحيد الكنيسة تحت سلطة واحدة وإلى اتباع العقائد ذاتها وإلى العيش المشترك للسير يداً واحدة في طريق المسيح، ورفض كل فكرة من شأنها أن تؤدي إلى تقسيم الكنيسة وزعزعتها. وآخرين طالبوا المسؤولين الكنسيين أن يضحوا أكثر ويساعدوا الفقراء والمهجّرين لأنهم يرون نقصاً من ناحية مساندة الكنيسة لأعضائها .
- والبعض طالبوا بأن تحافظ كل كنيسة على تراثها مع انفتاح شامل دون تزمّت أو تعصّب كي يصار إلى خدمة جميع المسيحيين دون تمييز .
- نسبة قليلة جداً (شخصان) عبّرت عن رأيها بطريقة جارحة جاء فيها:"أتمنى أن تدمّر سقوف الكنائس على رؤوس كهنتها وشمامستها ومطارينها فيُقتلون ونتخلّص من مناظرهم... هؤلاء اللصوص... الذين لا يرحمون الفقراء".
الفروقات والتمنيات تبيّن عن حق مدى بُعدنا عن بعضنا البعض وجهلنا للآخر وانغلاق كلّ منّا على نفسه حتى من الناحية العلميّة، فلا نحاول عمليّاً أن نلتقي بالآخر وأن نتعرّف إليه، وهذا ما يجعل المسافة كبيرة بين الطوائف، لذا يجب علينا أت نسعى إلى كسر هذه الحواجز للمساهمة في العمل المسكوني من خلال التربية الدينيّة .
3- التربية المسكونيّة ومعلموا التعليم الديني :
من الأمور التي استرعت انتباهنا هي الذهنية التي يعيشها المسؤولون عن التعليم المسيحي من خلال هذه الخبرة الصغيرة
ألّف مجلس الرئيسات العامات لجنة صغيرة تهتمّم بالتعليم المسيحي لتنسقه بين مختلف الجمعيات ولتجمع المعطيات الموجودة على الأرض. تألّفت هذه اللجنة من عشرة أشخاص وكنت بينهم، فتبادلنا فيها الخبرات والآراء للتنسيق على هذا المستوى العالي من المسؤوليّة.
وطرحنا السؤال:"ما هو مفهوم الكنيسة عند كلّ واحد منّا؟ وهكذا لمسنا جماعيّاً الممنوعات التي منعتنا من الإنفتاح على الآخرين وسوّدت صفحتهم عندنا وذلك بسببب عدم احتكاكنا بهم والسعي لتفهّم تراثهم والخبرات التي منحهم إيّها لبرب يسوع.
الأغلبيّة بيننا كانت لا تستطيع التمييز بين الكنيسة والطائفة وحتى بين البدعة والكنيسة، مثلاً: أحد الموجودين رأى أنّ الكلام مع البروتستانت ممنوع، إذ قال:"أنا لا أتكلم معهم مطلقاً"وراهبة قالت:"أنا لا أبحث مع البروتستانت لأني راهبة"، فكيف تطلبون منّا أن نوسّع آفاقنا ونتفهّم غيرنا؟
انطلاقاً من هذا الإجتماع، بدأنا جميعاً بقراءة ما صدر عن الحركة المسكونيّة وعن الكنائس الشرقيّة ورؤيتها على ضوء الإنجيل. ففتحنا قلوبنا على عمل الروح القدس وأخذنا نناقش التبدّل الذي أخذ يطرأ على أذهاننا شيئاً فشيئاً، ونستمع لكل خبرة قام بها أحدنا في بلده، ولكن البعض بقي غير مقتنع وغير متقبّل لهذا الإنفتاح، إذ كان يقول :"نحن نهتم بالتعليم الديني فلماذا تطلبون منا "أن نتعرّف إلى الكنائس والحركات المسكونيّة؟ ولماذا تشدّدون على الإنفتاح المسكوني؟ ".
وقد عانينا الكثير من جراء هذه المواقف، ومع الوقت كان لصبرنا نتيجة، إذ توصّلنا في آخر السنة من خلال العمل الجدّي الدؤوب واللقاءات المتكررة والقرارات المشعة أن نسمعهم يرددون:"لقد فهمنا أهمية العمل المسكوني في التربية المسيحيّة"، وقد جاءت هذه النتيجة بعد التباحث في موضوع المناولة الأولى عند (الكاثوليك ) والموارنة ومختلف الطوائف الكاثوليكيّة وفي
الحفلة الثانويّة التي يقوم بها القيّمون على التعليم المسيحي داخل المدرسة حيث كانت تصادف الأرثوذكس مشكلة كبيرة عندما كانوا يرغبون في التناول مع رفاق الصف والإستمتاع بالحفلة التي تقيمها المدرسة والأهل معاً.
وتوصلنا، ولحسن حظنا، بعد عناء طويل إلى تحديد النقاط التي يجب علينا أن ندرسها ونتفهمها كي نأخذ بعدها المواقف المناسبة، فلا نكتفي بالتذمر من مواقف الآخرين ونعت تصرفاتهم "بالتعصب ".
وقد وردت على جدول أعمالنا اللاحق النقاط التالية :
1- التعرّف إلى نقاط الإختلاف اللاهوتيّة بين الكنائس .
2- مشكلة "أول قربانة " واحترام الآخرين .
3 - دورة ثلاثة أيام للمسؤولين عن التعليم الديني وعن الحركة المسكونيّة أو التربية المسكونيّة .
4- التحليل : من الملاحظ إنّ الظاهرة المسيطرة على هذا الواقع كانت :
1. الجهل: ونلاحظ أيضاً أنّ الجهل متفشٍّ بنسبة كبيرة، فكل يجهل الآخر، والإنسان عدو ما يجهل"، والأكثريّة لزمت الصمت أو عبّرت عن ذلك بكلمة مسيحي. والحقيقة أنّها عجزت عن التعبير عن هذه الكنائس بأقوال مقنعة أو حقائق تعلّمتها أو عرفتها عن الطوائف الموجودة حولها.
لا يجهل الآخر فقط ولايعرف شيئاً عنه، إذ ترددت كلمة لا أعرف أكثر من مرّة، بل يجهل ما يحمله هذا الإنتساب إلى كنيسة أو طائفة .
وهذا الجهل ينبهنا إلى طريقة عمل يجب أن نجدها كي نتعرّف أكثر على بعضنا البعض وكي نتعرّف إلى القيم الأساسيّة التي تميّزنا أو تجمعنا. فلا نعود نشعر بهذه اللامبالاة التي عبّر عنها هذا الإستفتاء ولا
نرشق بعضنا البعض بالتهم أو بالتعصّب والعصبيّة كما تبيّن انا أيضاً . هذا لا يعني أنّه ينبغي أن نجد العلاقة الإنسانيّة أولاً، ثم نبحث عن التربية المسكونيّة .
2. اللامبالاة وعدم الإهتمام بالآخرين أيّاً كان انتماؤهم لأن ذلك لا يزيد شيئاً على حياتهم . وهذا موقف يتميّز به من يشعر نفسه أنّه الأكثريّة ولا يسعى إلى تثبيت نفسه أو إلى مواجهة الآخرين .
3. الخوف : الشعور بالخوف عندما يتكلم أحدنا عن الآخر . الخوف من الإحتكاك به بسبب معتقداته لأنّه يُشكِّل خطراً على المتكلم ويهدّد كيانه .
وهذه الظاهرة التي تبيّنت من خلال هذا الإستفتاء موجودة عند المربين والمسؤولين وعند الأكثرية الساحقة من الشعب لا عن قصد منهم، بل لأنهم هكذا، ولأن الذهنية التي تتكون في العائلة وفي المجتمع هي السائدة وهي أقوى من أي تعليم ديني.
تؤكد حقيقة ذلك دراسة قمنا بها عن "صورة الله المعاشة عند الشبيبةاللبنانيّة ". لقد وجدنا أن كل ما نعلمه عن الله الآب أنّه هو الذي يغضب ويقاصص ويضرب ويميت وإرادته تفسّر أعماله .
وتساءلنا بعد ذلك : هل التربية المسيحيّة تستطيع أن تتغيّر؟
ولاحظنا أن العقبات كثيرة وأنها أقوى وأمتن من أي علم ولا بد من معرفتها كي نستطيع أن نفعل شيئاً حيالها وأنّه لا بد من استدعاء الروح القدس والصلاة والغمل على تبديلها ولوببطء على المستويات الثلاثة كما هي العائلة والمدرسة والرعية.
1- العائلة :
من المهم أيضاً أن ننظر إلى وضع العائلة وإلى مفاهيمها الروحيّة والعقائدية فهي العامل الأول في تركيز أي ذهنية نصطدم بها لأن التربية في المدرسة تتناول التعليم أما التمرين فمجاله في العائلة والمجتمع أوسع.
قليلاً ما تسأل العائلة عن الفروقات اللاهوتيّة لأنها تأتي غالباً كفروقات سطحيّة قائمة على أشكال الكنيسة وطريقة العبادة والقداس الخ... ولكنها (العائلة) متمسكة بالطائفة التي تنتمي إليها لأنه بدونها لاوجود لها في محيطها. فالطائفة لها وجهها السياسي والإجتماعي والذهني، ولأن الطائفة هي متصلة بكيان لبنان وبالسياسة العليا المُطبّقة فيه منذ فترة طويلة مثلاً: ينص الدستور على حق الطوائف في فتح المدارس الخاصة. وفي حقل الأحوال الشخصيّة نجد ضرورة أن يعامل أفراد الطوائف وفقاً للمقتضيات الدينيّة العائدة لكل منهم. وكذلك أيضاً تراعى حقوق الطوائف لدى توزيع الوظائف والمناصب .
2- المدرسة :
والطوائف اللبنانيّة متعايشة ومتداخلة جغرافياً إلى حد كبير. وعلى هذا نجد في المدرسة الواحدة تشابك اجتماعي يحدّ من تطلعات الطائفة الواحدة ويجبرها على أخذ ذلك بعين الإعتبار. وهذه صورة نموذجيّة عن اختلاط الطوائف في المدارس إذ تأتي كما يلي:
واقع إحدى المدارس مع الإختلاط الطائفي
في المرحلة التكميليّة، على عيّنة من 611 تلميذ يوجد :
- 56 % ماروني .
-21.6 % أرثوذكسي .
- 15 % كاثوليكي .
في المرحلة الثانوية، على عيّنة من357 تلميذ يوجد :
- 55 % ماروني
-20.7 % روم كاثوليكي
- 20.7 % روم أرثوذكس
- 2.2 % لاتيني
-1.12 %سريان أرثوذكس
- 1.12 %سريان كاثوليك
- 0.56 % بروتستنتي
-0.28 % أرمن كاثوليك وأرثوذكس
وغالباً ما تتبع هذه المدرسة سنة ليتورجيّة واحدة لطقس معيّن لذا نطرح السؤال التالي : ما وضع الآخرين إذاً؟ وهل الأقليّة لا بد أن تكون ضحيّة عدم وعينا .
في الحقيقة أكثر القيّمين على التربية المسيحيّة لا يميّزون بين الكنيسة والكنائس، بين التنوع والتباعد، بين الإنقسامات والجراح، ولاتهمّهم الفروقات اللاهوتيّة كما سبق وقلنا، بل تكون لهم هذه الفروقات بمثابة علم يحملونه إذ يمشون في مسيرة طائفتهم وخصوصاً إذا كانوا ينتمون إلى ما يسمّى أكثريّة وليس أقلّية. والمشاكل العميقة عند الشعب ليست لاهوتيّة كما نتصوّرها الآن بل أهمها تاريخيّة، سياسيّة إجتماعيّة لا بل إنسانيّة إذ أن كل كياننا التاريخي مجبول بها، ولكي ندرك الحقيقة، علينا أن نبحث في عمق التاريخ ونتفهّم أسباب الإنقسامات ونضعها ضمن نطاقها بالذات . إن بعدنا عن الآخر وعلاقتنا الإنسانيّة به هي أهم مما نتعلمه أونحفظه في المدرسة .
3- الرعيّة :
الإنتماء إلى رعيّة مفقود الآن في بيروت بسبب التهجير .
أن نعيد إلى الرعيّة دورها الحقيقي بالتوعية والإشتراك وبتوجيه الطلاب نحو رعاياهم، فمن الجدير بنا أن نهتّم بالرعيّة وكل معطياتها الدينيّة والروحيّة وأن نعي هذا الواقع وهذه المواقف ونسعى أولاً وقبل أي تدبير إلى عمل توعية يتناول جميع الفئات من كهنة رعايا ومن عائلات ومسؤولين ومعلمين وطلاب ...
وإلا حكم على التربية المسكونيّة بالإنزلاق إلى حركة طائفيّة يتعاطى معها البعض دون الآخر ولا تهم الجميع . وهذا واقع مرضي لكنائس منقسمة على ذاتها .
ثانياًً : هذا الواقع والخطوط العريضة لتربية مسكونيّة :
من المعلوم عند الجميع أن ركائز التربية المسيحيّة هي العائلة والمدرسة والرعيّة وأنّه لا بد من التنسيق والتعاون بين هذه الركائز كي تكتمل التربية الدينيّة وتنتقل من النظرة والكلام إلى الواقع المعاش. وأسوأ ما يضرّها هو التناقض الذي يجده الطلاب بين ما يتعلّموه وما يروه في الحياة حولهم في محيطعم وفي عائلتهم .
هذا سبب من أسباب بعض الفشل الذي نشهده في التربية التي نعطيها إلى الآن .
ولكي نتحاشى هذا الفشل، نتساءل الآن: هل يمكننا دون الإساءة لرسالتنا أن نقسم التربية المسكونيّة إلى مستويين؟ وحسبي أقول: المعرفة أي المعلومات الموضوعيّة والحياة أي العيش رئتان فلا بد م الإثنين معاً للتنفس جيداً ولا يمكن لواحدة أن تعمل دون الأخرى.
1) الثتقيف الديني : أي المعلومات ـ المعرفة
يكون من شأن المدرسة ويُزوَّد به الطلاب بمعرفة موضوعيّة، علميٍة موحدة .
أ - عن الديانات الرئيسة في العالم، وهكذا تتاح الفرصة لكل إنسان ليتعرّف إلى الحقائق الأساسيّة في ديانته الخاصة أو الديانات والطوائف التي يعايشها .
ب- عن يسوع المسيح وعن كنيسته وعن أسرار بيعته من خلال الكتاب المقدس، إذ نتخذه كأساس لتربية دينيّة متكاملة. أي أن يوضع بين أيدي الطلاب كأساس بحث ودرس وصلاة كما كما يقول القديس ايرونيمس"لأنّه يجهل المسيح من يجهل هذه الكتب". والمجمع الفاتيكاني الثاني يدعونا إلى استكشاف
"معرفة يسوع الفائقة " (فيليبي8/3 )، بالعودة المتواترة إلى الكتاب المقدس .
هذا برنامج مسكوني يمكن أن نتباحث به ولنا خبرة صغيرة فيه .
2- التربية العباديّة والطقسيّة :
تُترك للعائلة والرعيّة خارج نطاق المدرسة. أو نطلب من الطلاب أن يسألوا أهلهم أو كاهن الرعيّة عن هذه الأمور وأن يأتوا بها إلى المدرسة فتزيد من غنى حياتنا المسيحيّة وتراثنا ويدرك الطالب تنوع الكنائس ويُقدِّرها إذا المربي نفسه قدّرها.
وننتقل إلى سؤال يشكل بحد ذاته مشكلة، ولكن لا بد من طرحه هنا ومن تحديد دور كل من هذه الركائز المذكورة. فلا نبغي بذلك القوقعة أو الإنغلاق على التراث والذات، بل نسعى كي نجد الطريقة المناسبة التي تحمل جميع الكنائس على السير في طريق الحركة المسكونيّة والإنفتاح الأخوي كي نشرك بعضنا بعضاً خيرات الملكوت . ولبلوغ هذه الغاية لا بد من محاولات عديدة لأشخاص يقومون بها عن اقتناع ويركّزون على التربية المسكونيّة بكل خصائصها .
3- خصائص التربية المسكونيّة
فمن خصائص التربية المسكونيّة أن تحِ الأشخاص على العيش المشترك مع الغير أيّاً كان وذلك بإفساح المجال أمام كل شخص للتعبير الحرر عن هويته وعن معتقداته وله في ذلك الإحترام والتقدير .
وتكون التربية مسكونيّة أيضاً إذا خلقت عند الجميع رغبة في الوحدة خاصة من خلال حثّهم على المثابرة في البحث كي يصار إلى العمل الجماعي بتواضع وحرارة الروح وتسهيل الطريق وإزالة العقبات .
أ - المضمون:
ولكن كيف نستطيع أن نحدّد مضمون هذه التربية المسكونيّة. هل نستطيع أن نتجاهل كل الفروقات وتاريخها وأن ننادي كل إنسان"أخي"، أو نشدّد فقط على النقاط المشتركة بين الكنائس أو نشرح نقاط الفرق ونميّز بين الفروقات والتعدّدية المتجانسة والمتكاملة.
من الصعب أن نجيب بكلمة وجيزة :"نحن لا نعلم ".
ب - الرسالة :
نحن لا نحلم على الأرض بكنيسة خالية من جراح وآلام، كنيستنا بحسب القديس أفرام السرياني
"كنيسة هالكين وتائبين " تصارع قوى الشر وتثبت بالنعمة الإلهيّة .
رسالتنا شهادة في مجتمع متعدّد الطوائف والأديان . إن رسالتنا تُعاش في علاقات شخص مع شخص، حيث الروح يفيض بالإيمان، وفي الوعي الجماعي لدورنا كمنارة في العالم لاسم يسوع .
الجماعة المتنافرة هي ليست جسد المسيح فعلاً، وهي غير قادرة على التبشير، فما حال الجماعة الفاترة؟
فالحاجة الماسة أن نلتقي مع بعضنا البعض ويدرك كل واحد تعليم طائفته ويشرحه شرحاً وافياً ويعرض ميزاته وشعوره بوضوح، ونتعاون جميعنا كي نترسّخ كل في كنيسته ونحيا إيماننا بصدق ومحبة .
حاجتنا أن نبشّر بالمسيح الواحد وأن تتغلغل التربية الدينيّة المسكونيّة إلى أعماق كيان كل إنسان فتحوله وتؤنسه حقاً .
لا نريد أن نولّد عند الآخرين أفكاراً سطحيّة وديناً سطحيّاً يكون بكثابة طلاء خارجي أو قناع يبقي الغرائز وراءه على خالها من الأنانيّة والفظاظة غير المهذبة وغير المعقولة، بل نساعده كي يسمع كلام الرب ويتغذى منه فيلين قلبه ويكون أجمل تربة له.
4- مهمات هذا العمل :
وأنتم الذين اختارهم الله فقدّسهم وأحبّهم، البسوا عواطف الحنان والرأفة والتواضع ...لتحل في قلوبكم كلمة المسيح بكا غناها لتعلموا وتنبّهوا بعضكم بعضاًبكل حكمة " كولوسي 16/3
نسعى من خلال التربية المسكونيّة ونطلب من المسؤولين :
1) أن يشعر بعضنا بوجود البعض الآخر وهذا لا يزال غائباً في لبنان .
2) أن نبيّن لبعضنا مدى تكامل التراث الشرقي وإغناء الطوائف بعضها لبعض . وهذا يساعد الفرد على التعمّق بإيمانه واحترام تراث الآخرين .
3) أن نركز على التراث الحي الموحّد الذي شهد له آباء المجامع المسكونيّة الأولى .
4) أن نعرف سر الكنيسة المحلّية والميزات التي تتفرّد بها كل كنيسة .
5) أن نعي الفرق بين الإيمان الواحد والتعبير اللاهوتي والليتورجي والقانوني الذي يختلف من كنيسة إلى أخرى .
ونستطيع أن نبرز ما يوجد من إيجابيت عند الآخر ونتعامل مع بعضنا بمحبة ولا نكتفي بتبادل الأفكار والآراء .
فإذا استندنا إلى معطيات النمو الفكري للإنسان، نعرف أنّ الولد يفهم ويحفظ الحركة أولاً ثم النغم ثم الكلام. فأول ما يشعر به هو وجود الآخر والإحساس به ليس فقط من خلال العائلة، ولكن في المدرسة وفي الرعيّة. بذلك نُبعد عن مخيِّلته كل ما يسيء إليه ونحاول أن نخرج من ذهنيّته كل ما هو مترسّخ كسلبيات تكيّف تصرفه وشعوره من حيث لا يدري وتجعله يتجنّب الآخر ويبقى بعيداً عنه .
نحن بحاجة إلى مربّين ملتزمين بكنيستهم وبرعيّتهم ومنفتحين على غيرهم. والواقع الأليم يشهد أن ليس لنا حتى الآن أي تخطيط لتوجيه بهذا الإتجاه. نتجاهل أن المربي أو المرشد الديني أيّاً كان مكانه أ اختصاصه، هو في حياته بشارة يوميّة، واننا بصراحة لانفهم هذا التقصير ولنا من الخبرة ما لنا في هذا المجال .
ثالثاً : النقاط العملية لمتابعة هذا العمل
انطلاقاً من هذا كلّه يلح علينا واقعُنا أن نعمل على مختلف الأصعدة فنهتم من جهة بخلق الأجواء الإيجابيّة الجماعيّة وذلك من خلال:
1) الأجواء العامة :
- تكثيف اللقاءات بين مختلف الكنائس على مختلف الأصعدة بهدف اللقاء الأخوي والتعارف المتبادل .
- تحضير حوار أوسع، نرجوه حوار محبة كي يعبّر حقيقة عن كنيسة الكنائس .
- تسهيل الإنفتاح على الآخر واحترامه والسعي كي يشعر كل فرد أنّه محبوب ومقبول من الآخر أيّاً كانت طائفته والعمل الجماعي كي يسود جو الحرية الفكرية والنقاش اعلمي والتعاون المسكوني الأخوي .
تصحيح الصور المغلوطة الراسخة في أذهان الكثيرين عن مختلف الطوائف وقد ساهم ذلك في ترسيخها تاريخ طويل أعطاها وجهاً سلب منها أصالتها وجذورها وشوّه المسيحية الأصيلة .
- كشف وجه المسيحية "المحبة " لأن إلهها كذلك، وهذه المحبة تستمد قوتها من الصليب لا من البندقية . وانها حاضرة في التاريخ لا لأنها مؤسسة بل لأن ربّها صانع للتاريخ .
- التعامل على عيش هذا القاسم المشترك الأكبر بيننا وهوالمحبة في كنيستنا، في مجتمعنا، في مدرستنا وعلى كافة الأصعدة ."المحبة تتأنى وترفق وتصفح عن كل الأخطاء والزلات ".
2- عقد المؤتمر :
ضرورة عقد مؤتمر لوضع الخطوط للعملالتربوي المسكوني وتصور تطوره آلى مدى أبعد. ليس المقصود وضع برنامج تعليم ديني، مع أنّه ضروري جداً كأول خطوة نقوم بها، بل وضع برنامج تعليم وتدريب وتأهيل موجه إلى كل من العائلة والمربين في المدرسة وفي الرعية.
3- تأليف لجنة عليا للتربية المسكونيّة يناط بها :
أ - درس وتأليف برنامج مسكوني .
ب - إقامة دورات تثقيفيّة خاصة للمربين والمسؤولين في المدارس والرعايا كي تنمي عندهم الروح المسكونيّة وتعرفهم أكثر على التراث المشترك وعلى هذا البرنامج .
ج - إقامة رياضات روحيّة مشتركة اقتناعاً منها بوجوب الصلاة والتأمل والتوبة اتبديل قلبنا وتغيير ذهنيتنا كي تتبلور على نور المسيح وتتغذى من إنجيله .
د - تأليف منشورات تتوجه إلى المعلمين وتتناول مواضيع البرنامج المحدد لكل سنة وتهدف إلى إعطاء معلومات جديدة وأساسيّة تساعد المعلم على التعمق أكثر فأكثر في لقاءاته وتمنحه آفاقاً جديدة .
ه- الإهتمام بالشباب لمحاربة الجهل من خلال نشرات تساعدهم في مناقشة المواضيع التي تهمّهم وتكون وسيلة لقاء وتعارف بين مختلف الطوائف والأديان والمناطق، وتهدف إلى تغذية روحيّة ومعنويّة كما تعطي الشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وعن معتقداتهم بكل حرية.
و - متابعة هذه المواضيع والتنسيق بين الجهود .
التربية الدينيّة هي حقل نرتجل فيه حتى الآن، كل قدر ما شاء. المفروض أن تحضّر هذه التربية كقاعدة الفكر المستقبلي القريب والبعيد. وأن تخلق فينا الروح المسكونيّة الحقّة."هل نحن اليوم مدعوون إلى أن نفتح ملف التربية على مصراعيه"حسبي أنّ المسيح يبشّر به على كل وجه .
خاتمة :
من الضروري أن نعترف بضعفنا وأن نقدّر الخيرات المسيحيّة التي تنبع من التراث المشترك والتي توجد عند إخوتنا ...
إن اقتنعنا فعلاً بهذا العمل، فلنتحرّك معاً وانتعاون من أجل جيل واعٍ، خلاق مسكوني غير آبهين بإمكانيات يسكبها الله علينا نعماً إن خدمنا نحن اسمه القدوس. وإن لم نقتنع سيكون حُكم الله علينا كما أشار هو له في مثل"طمر الوزنات".
ولهذا ينبغي أن نطلب من الروح الإلهي نعمة التجرّد الصادق والتواضع والوداعة في الخدمة والكرم الأخوي نحو الجميع على مختلف مذاهبهم ونقول مع الرسول بولس:"فأناشدكم إذاً، أنا السجين في الرب، أن تسيروا سيرةً تليق بالدعوة التي دُعيتم إليها، سيرة ملؤها التواضع والوداعة والصبر محتملين بعضكم بعضاً في المحبة ومجتهدين في المحافظة على وحدة الروح برباط السلام .
- 907 views