أحدُ الكلِمَة (22 كانون الثاني 2023)

بعض التّوجيهات لوَضعِيَّةُ القارِئِ عِندَ تِلاوَة القِراءاتِ في الكَنيسَة
لا يَنبَغي لِلقارئِ أَن يَقترِبَ مِن المقرأِ قَبلَ انتِهاءِ صَلاةِ الافتِتاح، بَل عَليهِ أَن يَفعلَ ذَلكَ دونَ انتِظارٍ بِمُجَرّدِ إِعلانِ الآمين. يَتقَدّمُ بِهُدوء، دونَ التِفافٍ أَو تَسَرّع. يَأخذُ وَقتَهُ وَلا يُحاولُ تَجَنُّبَ الجُزءِ العُلوِيِّ مِن صَحنِ الكَنيسةِ المَركزِيّ. أَمّا إِذا مَرَّ مِن أَمامِ المَذبَح، فَينبَغي أَن يَتوقّفَ قَليلاً وَأَن يَنحَني. فبِالإِضافَةِ إِلى كَونِ هَذهِ الحَركةِ عَمَلًا ليتورجِيًّا، يُمكِنُها أَن تُقَلّلَ مِن رهابِ المَسرحِ بِسَماحِ الدَّمِّ بِالتَّدَفُّقِ وَإحلالِ الهُدوءِ في جَميعِ أَنحاءِ الجَسَد.
وَعندَما يَصلُ إلى المقرأِ (وَهُو المُصطَلَحُ اللّيتورجِيُّ الّذي يُشيرُ إلى المنبرِ الّذي تَتِمُّ منهُ القِراءات)، عَليهِ أَلاّ يَبدَأُ مُباشَرةً بِالقِراءةِ قَبلَ أَن يَتَأكّدَ مِن أَنَّ الكِتابَ مَفتوحٌ عَلى الصَّفحةِ الصَّحيحَةِ وَأَنَّ وَضعِيّةَ المَيكروفونِ مُتَناسِبةٌ مَع طولِهِ وَأَنَّ الميكروفونَ مَفتوحٌ (on). في كَثيرٍ مِنَ الحالات، يَكونُ مِنَ الضَّرورِيِّ اختِبارُ الميكروفونِ قَبلَ القُدّاس.
أَخيرًا، الوَضعِيّةُ الصَّحيحَةُ لِلقِراءَةِ هِيَ التّاليّة:

 

  • القَدَمَان ثابِتان بِقُوَّةٍ عَلى الأَرض (ولَيسَت بِوَضعِيَّةٍ مُستَرخِيّةٍ وَغَير مُتَوازِنَة؛)
  • الكَعبان مُتوازِيان وَمُتَباعِدان قَليلاً؛
  • أَطراف القَدَمَين تُشيرُ مِثلَ عَقارِبِ السّاعَةِ إِلى السّاعةِ 10:10 ؛
  • كِلتا اليَدين على الحوافِ اليُمنى وَاليُسرى مِن أَسفَلِ المَكتَب.

وَتُساهِمُ هَذهِ الوَضعِيّةُ في مُكافَحَةِ رهابِ المَسرح.
 

النَّظَر

عِندَما يَصِلُ القارِئ ُإلى المقرأ، عَليهِ أَن يَنظُرَ إلى المُؤمِنينَ لِلَحظَة، لَيسَ لِيَقول: "أَنا هنا!"، وَإنّما لِيُبَيّنَ أَنَّه يُقَدّرُ كُلّ مَن سَيَقرأُ لَهُم الكَلِمَة، وَلا سِيَما المُؤمِنين البَعيدين عَنه، المَوجودين في مُؤَخّرةِ الكَنيسَةِ أَو عَلى جَوانِبِها.
وَيُمكنُ لِهَذهِ النّظرَةِ أَن تَستَمِرَّ قَليلاً إِذا لم يَكُنِ الصَّمتُ مُثبَتًا تَمامًا بَعد، لأَنَّ القِراءةَ يَجِبُ أَلاّ تَبدأُ حَتّى تَتَوقّفَ جَميع أَنواعِ الضَّجيج: أَصوات الكَراسي أَو السُّعال....
وَعَلى عَكسِ ما نَسمَعُهُ كَثيرًا (وَما نَراه!)، لا يَتَعَيّنُ على القارِئِ أَن ينظُرَ إلى المُؤمِنينَ عِندَما يَقرأ، بِاستِثناءِ نِهايَةِ فَقرَةٍ ما. عَلى أَيِّ حال، لَيسَ في كُلِّ ثانِيَة، وبَعد قِراءَتِهِ لِثَلاثِ كَلِماتٍ مَثَلاً!
يَعتَقِدُ البَعضُ أَنّهُ يُعَزّزُ التَّواصُلَ إذا وزّعَ نَظَرَه عَلى المؤمِنينَ مِن حينٍ إلى آخَر: هَذا خَطأ. بادِئ ذي بِدء،  فَالكلِمَةُ الّتي يَقرأُها لَيسَت كَلِمَتهُ بَل كَلِمَة الله. لِذلكَ لَيسَ عَلَيه أَن يَنظُرَ إلى مَن يَتَحَدّث إِلَيهم كَما لَو كانَ يَعظهُم أَو يُقَدّمُ لَهم نَصيحَة. وَالجليّ أَنّ أولئكَ الّذين يَنظُرونَ دائِمًا إلى المُؤمِنين، إِنّما غالِبًا ما يَفعَلون ذَلِك دونَ وَعي، لِيُطَمئِنوا أَنفُسَهم وَيُحاولوا قِياسَ تَأثير أَصواتِهم؛ أَو لإِظهارِ أَنَّهم مُرتاحون جِدًّا (أَكثَر مِنَ اللاّزِم!). مِن هُنا نُؤكِّدُ أَنَّ التَّواصُلَ الحَقيقِيَّ لا يَأتي في فِعلِ القِراءَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلى التَّجَمُّع، بَل مِن الإِلقاءِ المِثالِيِّ بِصَوتٍ مَفهومٍ وَقَوِيٍّ وَثابِت!
مِن ناحِيَةٍ أُخرى، قَد يَكونُ مِنَ الجَيّدِ أن ينظرَ القارئ ُإِلى المُؤمنينَ وَهوَ يعلِنُ في البِدايَةِ الرِّسالةَ واَلفصَل: "فَصلٌ مِن رِسالةِ القِدّيسِ بولُس ِالرّسولِ إلى أَهلِ روما". يُمكِنُ لأَيِّ شَخص ٍأَن يَقولَ تِلكَ الكَلِماتِ العَشر دونَ النَّظَرِ إِلى النَّصّ. ثُمّ يَتَوَقّفُ القارِئ ُبُرهَة، يَأخُذُ فيهِ نَفَسًا عَميقًا وَيُحدِّقُ مَرًّة أُخرَى في نَصِّه، وَيَبدأُ القِراءة.

التَّنَفُّس

خِلالَ فَترةِ التَّمَوضُعِ هَذِه، عَلى القارئِ أَن يَتَنَفّسَ بِهُدوءٍ وَعُمقٍ وَمِن خِلالِ البَطن. فَمُعظَمُ النّاسِ يَتَنَفَّسونَ بِصُعوبَةٍ لأَنّهُم لا يَعرِفونَ كَيفَ يَتَنَفَّسون. فَيَفعَلونَ ذَلِكَ مِن خِلالِ رَفعِ الكَتِفَينِ أَعلَى الصَّدر. حَيثُ يَتِمُّ مِلءُ رُبعِ الرِّئَتَينِ فَقَط. لِذَلِكَ يَكونُ التَّنَفُّسُ قَصيرًا وَالكَلامُ مُتَقَطِّعًا، مُتَشَنِّجًا وَكَأَنّهُ يُنفَث! ويَزدادُ هَذا التَّأثيرُ السَّلبِيُّ بِشَكلٍ طَبيعِيٍّ بِمُجَرّدِ ظُهورِ رهابِ المَسرح.
مِن هُنا يَنبَغي أَن نَعلَمَ أَنّهُ عَلَينا أَن نَتَنَفَّسَ مِن خِلالِ الجُزءِ السُّفلِيِّ مِن الرِّئَتَين (مِن البَطن!)، دونَ رَفعِ الكَتِفَين، وَإِنَّما شَدّهما لِلخَلفِ قَليلاً وَالضَّغط عَلى المَعِدَة. فَإِذا قُمْنا بِمَلءِ كوب، نَحنُ نَبدَأُ دائِمًا بِمَلءِ الجُزءِ السُّفلِيِّ أَوّلاً!
وَإِذا لَزِمَ الأَمر، يُمكِنُ أَن نَأخُذَ نَفَسًا سَريعًا وَخَفيفًا مِن خِلالِ الأَنفِ في خِلالِ القِراءَة.
وَمَعَ ذَلِك، فَإِنَّ التَّنَفّسَ لا يَتِمُّ تَعلُّمُهُ بِالمُراسَلَة. وَلَكِن قَد نَجِدُ بِالقُربِ مِنّا مُدَرِّسَ رِياضَة أَو طَبيب أَو مُدَرّس موسيقِى، يُمكِنُ أَن يُعطينا بَعضَ تِقَنِيّاتٍ وَتَمارينَ التَّنَفُّسِ السَّليم، أَو بِأَقصَى الحالاتِ يُمكِنُنا مُشاهَدَةُ بَعضَ الفيديوهات عَلى الإنترنَت!
وَيَجِبُ أَن نُضيفَ أَنَّ التَّنَفسَ الجَيّدَ لا يُعالِجُ رهابَ المَسرحِ (لَقَد عانى المُمَثِّلونَ الكِبار مِنهُ طِوالَ حَياتِهم المِهَنِيّة)، وَلَكِنّهُ الطَّريقَةُ الوَحيدَةُ لِلتَّخفيفِ مِنه وَالتَّحَكُّمِ فيهِ عَن طَريقِ تَهدِئَةِ مُعَدّلِ ضَرَباتِ القَلب،وَمُحارَبَةِ ضيقِ التَّنَفُّس!

نَبرَةُ الصَّوت

كَما تَعلَمون: هُناكَ نَبرَة الأُستاذ، وَالنَّبرَة المَسرَحِيّة... وَلَكن ما هيَ النَّبرَةُ الصّحيحَةُ لِقِراءَةِ الكِتابِ المُقَدّس؟ هَذا يَعتَمِد، بِالطَّبع، عَلى النَّوع ِالأَدبيِّ لِلنَّصِّ! فنَبرَة تِلاوَة الشّعرِ الغِنائيّ لَيسَتِ النَّبرَةَ المُلائمةَ لِلكتابِ المُقَدّس. يَعتمدُ الأَمرُ أَيضًا عَلى القارئِ الّذي يَمتَلِكُ شَخصِيَّتَهُ وَمَزاجَهُ وَنَبرَةَ صَوتِهِ الخاصَّة!
كَقاعِدَةٍ عامّة، تَتطَلّبُ نَبرةُ القِراءَةِ قَدرًا كَبيرًا مِنَ الإِعتِدالِ في التَّنويع! ماذا يَعني ذَلك؟ يَعتَقِدُ البَعضُ أَنَّ الإلقاءَ بِنَبرَةٍ جَميلَة، يَعني تِلاوَةُ العِباراتِ بِشَكلٍ غِنائِيّ. خَطأ لأَنّ العَكس هُوَ المَطلوب! فَفي الإِلقاء، يَجبُ أَن تَكونَ نَبرَةُ صَوت مقطع النَّصِّ الأَكثَر إِثارة، الأَقرَب إِلى recto-tono   وَهَذا يَعني تِلاَوُة كُلّ مَقاطِعِ النَّصِّ دونَ أَيّ اختِلافٍ مَلحوظٍ في نَبرَةِ الصَّوت.
وَعَلى عَكسِ ما هُوَ سائِد، لا يَجِبُ أَن تَنتَهِيَ الجُمَلُ بِصَوتٍ خافِت! وَلَكن يَجِبُ أَن تَرتَفعَ نَبرةُ الصَّوتِ بِشَكلٍ يَدعَمُ المَعنى وَيَفتَحُهُ أَمامَ المُستَمعِ بِدَلاً مِن إِسقاطِهِ أَو إِغلاقِه.

السُّرعَة

إنّها النُّقطةُ التِّقنِيّةُ الأَخيرةُ الّتي يَجِبُ العَمَلُ عَلَيها. الحَقيقةُ هِيَ أَنّ القارِئَ يَقرأُ بِالسُّرعَةِ المُناسِبَةِ عِندَما يَشعُرُ وَكَأَنَّهُ يَقرأُ بِبُطءٍ شَديد (أَو سَخيف!).
قُلناها: الصَّوتُ يَنتَقِلُ أَسرَعَ مِن المَعنى. وَمَع ذَلك، فَالقارئُ لا يَقرأُ مِن أَجلِ الصَّوتِ وَلَكِن مِن أَجلِ المَعنى. سَنَقولُ أَنّهُ مَع نِظامِ الصَّوتِ في الكَنائِسِ لَم تَعُدْ هُناكَ مُشكِلَة. وَلَكِن لِنُجَرّبِ التّالي:
نَحنُ بِحاجَةٍ إِلى مَعرِفَةِ وَقتِ ارتِدادِ الصَّوت. نُصَفّقُ بِأَيدينا نَقولُ "آه" بِصَوتٍ عالٍ وَقَصير، وَنُحَدّدُ عَدَدَ الثّواني الّتي نَسمَعُ فيها الصَّوتَ يَنتَشِر. يُمكِنُ أَن تَصِلَ إِلى ثَماني ثَوان. مِنَ السَّهلِ أَن نَفهَمَ أَنّه، في هَذِهِ الحالَة، كُلّما تَحَدّثَ المَرءُ بِشَكلٍ أَسرَع، سَيَتِمُّ إِصدارُ المَزيدَ مِن المَقاطِعِ الصَّوتِيّةِ الّتي سَيَتِمُّ سَماعُها في نَفسِ الوَقتِ لأَنَّ الصَّدَى يُحافِظُ عَلَيها. وَهُنا نَحنُ نُجازِفُ بِأَكبَرِ قَدرٍ مِنَ الإِلتِباسِ وَبِالتّالي سوء فَهمِ النَّص.
وَهَذا يَعني أَنّهُ حَتّى في أَفضَلِ الحالات، فَإِنَّ نِظامَ الصَّوت، أَثناء قِيامِهِ بِرَبط ِالمَسافات، لا يُلغي المَساحة الّتي يُصدرُ الصَّوتُ فيها صَدًى (وَأَحيانًا يَدور).
كُلُّ كَنيسَةٍ لَها "شَخصِيّتها المَكانِيّة". لِذا مِنَ المُهِمِّ أَن يَدرُسَ القارِئ ُمَساحَةَ كَنيسَتِه. وَلَكِن، مَهما كانَ الأَمر، لَن يَكونَ هُناكَ فُرصَةٌ لِلفَهمِ إِلاّ بِتِلاوَةٍ هادِئَةٍ وَرَزينَة!