محاضرة للأخت وردة مكسور  القيت في مجلس كنائس الشرق الأوسط في ايانابا- قبرص، في 4 تشرين الاول 1989 ونشرت في التقرير العام كاملة سنة 1989 وفي كتاب التجدد التربوي في عالم متغير لمجلس كنائس الشرق الاوسط  سنة  1995 ص 203 وتمحورت حول أنّ: النّماذج وحدها لا تحدث تجديدًا، إنّما قوّة الروح هي التي تنمّي جسد المسيح المتجلّي في الكنيسة، والروح القدس هو نفسه المربي لجسد المسيح وللعاملين في حقل التربية من خلال الكتاب المقدّس وتاريخ الكنائس.

ا - تطوّر منهجية التربية الدينية في لبنان (1)

        التربية هي تطوّر دائم يسعى إلى نقل الإنسان من العتاقة إلى الجدة أي إلى إبراز الإنسان الجديد وإلقاء الإنسان القديم. وهي، كما تقول الدكتور ماري ميخائيل، "عملية قيادة باتجاه ملكوت اللّه". فالتجديد بها قائم بعمل الروح القدس الدائم في الكنيسة وفي الجماعة. وهي لا تتمّ دون أوجاع، كما يقول القديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية :" يا أولادي الذين أتمخّض بهم إلى أن يتصوّر المسيح فيكم "، والتجديد الذي تحقّقه، يتمّ بطريقة هادئة كالنسيم الخفيف .

سنعرض ثلاث مراحل مرّت بها التربية الدينية مركّزين على الأولى والثالثة لأنّ الثانية هي فقط مرحلة تغيير مشتركة .

ليس عملي بحثًا أعرضه بل محاولة لإيجاد مفاتيح تساعدنا على اكتشاف عمل الروح القدس وعلى فهم تطوّر التربية الدينية وتجدّدها .

        مرحلة ما قبل 1960 أي المنهجية التقليدية

        تتمحور هذه الطريقة حول المعلّم، وعلى نقل المعلومات من إنسان إلى آخر عن طريق العرض والشرح، وقد سُمّيت بالمنهجية التقليدية استنادًا إلى المرتكزات التالية :

        1. دور المعلّم: المعلّم أو الراشد هو المالك للحقيقة وللمعلومات، له سلطة مكتسبة  من هذه الحقيقة، وهو الشارح والمعلّم والمبسّط لها، ويدرّسها ويشدّد على حفظها وعلى التصرفات الخلقية التي يفرضها على التلاميذ كما يراها من  عِبَرْ وعظاته.

        2. دور السامع: السامعون جماعة تصغي إلى تعليم المعلّم وتخضع لسلطة المعلومات التي تأتي من الخارج. وتُلزم السامع بالصمت، فيسمع ويتعلّم ويدرس ويحفظ ويمارس ما يُفرض عليه من عبادات أو أصول أخلاقية، فيشعر بالملل والضجر أو بالنعاس فينام.

        3. الهدف: لا يمكن أن نعرف الهدف لأنه غير واضح في ذهنية المعلّم، لذلك يتمّ التركيز على المعلومات التي هي نقطة الإنطلاق ونقطة الوصول، فلا داعي إلى البحث والتدقيق في ذلك، لأنّ المعلومات تؤدّي إلى التصرفات الخلقية.

(١) محاضرة ألقيت في مجلس كنائس الشرق الأوسط في ايانابا-قبرس، في  4 تشرين 1989 ونُشرت في التقرير العام كاملة سنة 1989 وفي كتاب "التجدّد التربوي في عالم متغيّر لمجلس كنائس الشرق الأوسط سنة  1995، ص. 203.

        4. العلاقات التربوية : تخضع هذه العلاقة إلى مزاجية المعلّم . والشريعة فيها هي التعبير عن رغبة المعلّم ولا ثوابت موضوعية تحدّد التصرّفات .

        5. المضمون: إنّ المعلومات واردة في كتاب واحد يتبع طريقة السؤال والجواب كما ورد في كتب التعليم جميعها. وهذه الطريقة قديمة من قِدم البشرية والشاهد على ذلك طريقة سقراط الذي كان يركّز على الحوار لإيجاد الحقيقة.

        أمّا في التعليم الديني فكان الجواب يأتي كما السؤال، يعيده السامع ويردّده ويحمل حقيقة ثابتة معروفة، عليه أن يحفظها وأن يعتقد بها. وغالبًا ما كان عرض هذه الحقيقة يتمّ بطريقة احتفالية لا تترك للحوار سبيلاً حتى لدى تولّي هذا العرض طريقة السؤال والجواب.

        6. القاعة: المكان يبيّن الفرق المهمّ بين مركز المعلّم الواحد والجماعة. كلّ التلاميذ يكونون باتجاه المعلّم ولا أحد ينظر إلى الآخر لأنّ المكان مهيأ هكذا. إنّ المحور فيه هو من توجّهت نحوه الأنظار كي يسأل السؤال.

        7. معايير النجاح : يعتبر المعلّم الدرس ناجحًا إذا وجد آذانًا صاغية . كلّ شيء يتمحور حول المعلومات التي أدلى بها بدون أن يعرف مدى فهمها أو وقعها عند السامع .

        8. العمر : ولأنه الراشد، له وحده الحق بأن يدلي بخبرته على الجميع لأنّ الخبرة هي من حقه هو وليست من حق الشباب الذين يهيئون المستقبل .

        9. دور الكتاب المقدّس: اهتمّت الكنيسة الكاثوليكية بالعقيدة وطرحتها بواسطة السؤال والجواب. واهتمّ المعلمون باقناع الذين يحفظونها غيبًا بأنهم امتلكوا الحقيقة وأبعدوا الشكوك. وقد ركّزت الكنيسة على ذلك حتى ظنّ الكثيرون أن كتاب التعليم هو المرجع الأساسي والوحيد لكلّ مسيحي إذ يحتوي على المعلومات بشكل موسوعة. وكانت تعاليم هذا الكتاب تأتي بشكل أخلاقي يعلّم الحقيقة ويعيدها، وعلى السامع أن يتعلّمها. وارتفع  كتاب التعليم  إلى مكانة الكتاب المقدّس. وقد شعر المربّون في بعض الأحيان بنشاف المادة وصعوبة أخذها، فركّزوا على الليتورجيا وعلى دور الأهل ومنطلقات الحياة .

        المرحلة الانتقالية أي المنهجية المشتركة

        مع بداية الستينات راحت تظهر في مجال التعليم المسيحي قضيتان ملحّتان وهما :

        إصلاح البرامج وتوحيدها من جهة، وإعداد المعلمين من جهة أخرى . والقضيتان مترابطتان

ترابطًا وثيقًا . إنه لمِن البديهي أن كلّ برمجة تفرض إعدادًا جديدًا للمعلمين . لذا، فقد تزامن إعداد برامج جديدة للتعليم المسيحي مع تأسيس مراكز لاعداد المعلمين .

        وهكذا بدأت سنة 1961، أوّل محاولة لتوحيد برامج التعليم المسيحي في بعض المدارس الخاصة .

        سنة  1961، باشرت اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية بتحضير برنامج جديد. سنة 1962، قدّمت اللجان المختصّة المنبثقة من اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية برنامجً موحّدًا يتّبع الطرائق التربوية تبعًا للصفوف والأعمار.

        في شهر آب 1965، انعقد في بيروت مؤتمر للتعليم المسيحي كانت قد حضّرت له "المنظمة العالمية للمدارس الكاثوليكية". فوافق على البرنامج الجديد وأمر بنشره وتوزيعه. بوشر بعد ذلك بطبع القسائم (fiches) الموافقة للبرنامج الجديد بالعربية والفرنسية. وسنة  1969طبعت آخر سلسلة من القسائم للمرحلة الثانوية .

بعد المجمع الفاتيكاني الثاني الذي شجّع في الكنيسة حركة التجديد في مجال التعليم المسيحي والكرازة، بدت قضية إعداد المعلمين ملحّة أكثر فأكثر، وتكاثرت معاهد الإعداد حتى أصبح عددها يناهز الأحد عشر سنة 1966.

يومذاك تلاقت هموم المسؤولين مع المقتضيات الرعائية البارزة فأفضت إلى إقرار المبادئ التالية :

                 - التركيز على شخص المسيح محورًا لكلّ مسيحي.

                 - تكييف البرامج مع النموّ النفسي للأولاد.

                 - مراعاة عقلية المجتمع الشرق الأوسطي.

                 - جعل سرّ الكنيسة حاضرًا في حياة أبنائها.

                 - استلهام تقاليد الكنائس الشرقية .

                 - توجيه المبشّرين على اختلاف كنائسهم نحو الوحدة في الإيمان .

                 - إرسال المبشّرين للتبشير في محيطهم ومجتمعهم .

وبكلمة بات المسؤولون غير راغبين في تعليم مسيحي منقول عن الغرب أو معرّب عن الفرنسية أو الإنكليزية أو الإيطالية ساعين إلى كرازة من تأليف محلّي مكتوبة ومفتكرة بالعربية، سهلة الفهم والإدراك على الأولاد، ومتجاوبة مع حاجات كنائسنا ومع أبنائها.

بعد عشر سنوات من الاختبار، اكتشف المسؤولون أنّ البرنامج المتّبع ما بلغ الهدف المنشود. فعلت الأصوات من جديد مطالبةً بإصلاح برامج التعليم المسيحي إلى أن وافق مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان - الذي كان قد تأسّس في 13/12/1967على إنشاء "اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحي في لبنان " سنة 1979.

وما أن أنشئت اللجنة الجديدة حتى عبّرت عن همّها الأول وهو: تنظيم البنية وتحضير منهاج عام موحّد. فسارعت إلى إنشاء مراكز أبرشية وتعيين مسؤولين فيها. ثمّ دعت مؤلّفي كتب التعليم المسيحي والمسؤولين في الأبرشيات وفي الرهبانيات كافةً إلى أسبوع دراسات أقيم في دير اللويزة في تموز  1979 بهدف وضع منهاج عام، وذلك لأن "اللجنة تبيّنت ضرورة ملحّة لوضع منهاج عام إلزامي، خدمةً للكنيسة في لبنان إذ أنّ الفوضى التي كانت مستشرية استرعت انتباه الأساقفة وأثارت قلقهم. إن كان بعض المعلمين يستوحي منهجًا أو كتابًا ويعمل بموجبه بتواصل وانتظام، فإن البعض الأكثر كان يعتمد فقط على قريحته وعلى خبرته الذاتية، وابتكاراته المتقلبة .  فكانت الهواية وكانت التسلية وكانت المفاجآت ..." (راجع البشرى، العدد الأول، 1984-1985 ص. 3.

فعهدت اللجنة بمتابعة الأعمال إلى لجان ثانوية، وبعد الفروغ من العمل طبع المنهاج العام الموحّد سنة 1980، وتمّ توزيعه على المؤلفين والمسؤولين. وتمنّت اللجنة على كلّ المؤلفين أن يتّبعوا هذا المنهاج في تأليف كتبهم الجديدة.

نجد بهذه المرحلة منهجيات متبدّلة أخذت بعض التفاصيل من النموذج الأول وغيرها من الثاني فكانت لا تقليدية ولا جديدة ناشطة .

ومنهجية أخرى اكتفت ببعض القشور فأدخلت بداعي التجديد بعض النشاطات أو غيّرت بعض الكلمات والأسئلة دون أن تترك مجالاً لأي عمل للروح القدس في العمق .

وفي سنة 1968 أدخل "الكتاب المقدّس" المنهاج الجديد وقد اعتمد طريقة الانطلاقة من الحياة فالعرض للموضوع وتقسيم التلاميذ إلى ثلاث فرق: ليتورجيا - حياة - كتاب مقدّس. وهنا لا داعي أن نعرض خبرتنا ونشهد بأنّ الجميع كانوا يطلبون أن يكونوا في فريق - خبرة الحياة - ولا أحد كان يرغب في عمل الجماعات الباقية. من هنا يظهر الصراع بين المعرفة والإيمان. وإنّ المعرفة وحدها لا تؤكّد الإيمان ويمكن أن تبقى محصورة في نطاق واحد عقلاني ويبقي اللّه جانب الحياة لا فيها ومعها.

وإذا حلّلنا كتب التعليم المطبّقة، وجدنا أنّ الأفكار اللاهوتية بقيت سابقة للشواهد الإنجيلية لا بل كانت الشواهد تستعمل لتثبيت القول أو الفكرة السابقة ممّا لا يترك مجالاً للسامع أن يدخل في عمل كلام الربّ ويسمعه في قلبه اذ يناديه في حياته.

مثلاً : لقد تجسّد المسيح بقوّة الروح القدس، ومحبة الآب لنا ولتثبيت هذه المقولة نأخذ إنجيل الميلاد . وللتعريف على الثالوث نختار معمودية يسوع .

وقد اعتمد الكتاب المقدّس للتوجيه الخلقي أو الإيديولوجي فأتت الشواهد تعظ وتحثّ على التصرّفات الخلقية .

وهكذا، تبيّن لنا أنّ الكتاب المقدّس لا يمثّل أبدًا وحدة كاملة في ذهنية التلاميذ، بل مقاطع متفرقة وأفكار جميلة مبعثرة لا قيمة لها بحدّ ذاتها، بل تأتي كأبيات الأشعار المدروسة والمكرّرة لدعم الأفكار.

وبعضها أيضًا ركّز على الحياة اليومية والتصرفات الخلقية فوقعت في فراغ روحي كبير وجهل في العقيدة والإيمان، إذ ادّعى رواد هذه المنهجية بحجّة التجديد وعلم النفس أن أي انسان هو قادر أن يعلّم التعليم الديني. فكانت هذه الحلول خاسرة لأنه إذا كان معلّم التعليم الديني قد تسلّم رسالة تعليم سامعيه كامل العقيدة المسيحية فعليه أولاً أن يكون قد استوعبها، إذ ليس عليه أن يشهد لإيمانه فقط بل عليه أن يوصل مضمونه أيضًا .

أمّا الأساليب السمعية البصرية فهي تقدّم خدمة في سبيل حفظ الكلمة والتعمّق بها، ولكن تهافت المعلمين وسرعتهم إلى استعمالها دون تهيئة جديّة أساء إلى فاعليتها ورسالتها. فهي تضرّ بالسامعين إذ تحدّ من نشاطهم واختراعهم وتخلق جوًّا من الجمود لا يؤدّي إلى الغاية المنشودة .

ومن الملاحظ أيضًا أن أكثر المعنيين في التربية هم من الفئات المخضرمين بين النموذجين، والأهمّ من ذلك أن رغم كلّ الجهود التي بذلتها الكنيسة في سبيل التجديد فالنسبة ضئيلة إذ تطال 15 ٪ فقط، أمّا الـ85  ٪ فهم غير واعين لهذه الأمور وغير مهتمين بالنضال ضدّ العتاقة ونتائجها .

إنّ النماذج وحدها لا تحدث تجديدًا، لكنّ قوّة الروح هي التي تنمّي جسد المسيح المتجلّي في الكنيسة، والروح القدس هو نفسه المربي لجسد المسيح وللعاملين في حقل التربية من خلال الكتاب المقدّس وتاريخ الكنائس.

المرحلة الثالثة والمنهاج العام

بعد مضي تسع سنوات كاملة على تعميم المنهاج العام، نلاحظ أنّ هناك خمس سلسلات كتب اتبعته وطبّقته، وأربع سلسلات كتب أخرى لم تتبعه، وكتب حوّرته وغيّرت في تسلسله .

أمّا الكتب التي اتّبعت المنهاج العام وتكيّفت معه بنجاح تام أو جزئي فهي الآتية :

1.  سلسلة  "يسوع حياتنا " للأب انطوان الجميّل، للمرحلتين الابتدائية والتكميلية . وللأب يوسف ضرغام، المرحلة الثانوية .

        2. سلسلة  "طريق المحبّة " للرهبانية اللبنانية المارونية  - الكسليك، للمراحل الثلاث الابتدائية والتكميلية والثانوية .

3. سلسلة  "الربّ نوري وخلاصي " للأب فرنسيس الحكيّم، للمرحلة الابتدائية فقط .

        4. السلسلة المسكونية للتنشئة المسيحية، من منشورات المكتبة البولسية، للمرحلة الثانوية                فقط .

        5. سلسلة  "حبة الحنطة " للأخت ماري -رينيه ديراني، للمرحلة الابتدائية .

        6. سلسلة  "يسوع طريقنا " لمركز التربية الدينية، للمرحلة التكميلية .

وأمّا الكتب التي لم تتّبع بعد المنهاج العام فهي الآتية :

        1. سلسلة  "سيدة العطايا " باللغتين العربية والفرنسية، للمراحل الثلاث الابتدائية والتكمليلة            والثانوية .

        2. سلسلة  "المشوق في اللقاء الديني " من منشورات المكتبة البولسية، للمرحلتين الابتدائية              والتكميلية .

وهاتان السلسلتان لم تتّبعا المنهاج العام الالزامي لأنّ المؤلفين بدأوا منذ بضع سنوات،    وباشراف الأبوين جان كوربون وسليم بسترس، بتحضير برنامج مسكوني مع الارثوذكس .

        3. منشورات الرابطة الكهنوتية .

        4. منشورات الخوري ميشال عويط .

وكتب اتخذت من المنهاج العام ركيزة حوّرت به بعض لعناصر على ضوء الخبرة ومتطلّبات التربية ووضعت وثائق للاختبار .

كتب "يسوع طريقنا" لمركز التربية الدينية لراهبات القلبين الأقدسين وللمرحلة التكميلية: يعتبر هذا المنهج دور الكتاب المقدّس أساسيًا ويقدم برنامجًا كاملاً يعطي المعلومات عن حياة يسوع وبالوقت نفسه يفسح المجال أمام السامع إلى فهم كلمة الله والتعمّق والغوص بها كي تكن النبع الذي يروي من ظمئت نفسه إلى اللّه .

هكذا تمّت عملية تجديد في التربية تركّز على كلمة الله للبشر وتعلن الرسالة المفرحة . وكلمة الله هذه ترسم الطريق وتهدي كلّ رنسان في الخدمة وتقدّم له النموذج الموافق لحياته .

وقد نرسم نموذج هذه المنهجية استنادًا إلى المرتكزات التالية وهي تتمحور حول السامع :

        1. دور المعلّم: انتقل المعلّم من الإنسان المالك للحقيقة وللسلطة المقتبسة منها، من الواعظ الذي يعطي ما عنده أو ما حضّره، إلى المعلم المرافق والموجّه الذي يبحث عن الحقيقة مع كلّ إنسان ويسير معه على درب حياته من خلال ما يشهده عند السامع.

واقتصر دوره على تلخيص المعلومات وتنسيقها وتصحيح ما يرد فيها من أخطاء  "ليس تعليمي من عندي بل من عند الذي أرسلني " وهكذا ينقل الحقيقة التي هي المسيح .

لقد خرج المعلّم من وحدته وانعزاله باتجاه العمل ضمن حلقات مع الآخرين .

        2. دور السامع : الجماعة ناشطة، كلّ يجتهد في بناء معلوماته والبحث عنها من خلال حوار         ومداخلات تجعل من السامع الإنسان النشيط والباحث والمشارك في أعمال متتالية .

                         - العمل الشخصي

                         - العمل ضمن حلقات

                         - العمل الجماعي

                         - النشاط الإنساني الشخصي أو الجماعي

                         - الصلوات الشخصية أو الجماعية

وباختصار انتقلت المعلومات من المعلّم إلى الباحث، واهتمّت التربية بإعطاء السامع استقلاليته إذ أصبح قادرًا أن يتعلّم بنفسه، لأنه اكتشف وسائل البحث والعمل. فالفرح يواكب عمله هذا ويشعر بوجود "البشرى السارة". والنشاطات تتجاوب مع ما يحبّه.

        وقد تعدّدت الأساليب التي تدعوه إلى الاكتشاف والنشاط ومنها الكلمات الضائعة والمبعثرة أو الطرق الرمزية الكتابية والتمثيل .

3. الهدف : لكلّ لقاء هدف، ويركّز عليه كتاب المعلّم ويشدّد عليه ويعلنه كي يتمكّن المعلّم من التقييم .

4. العلاقة التربوية : تعتمد هذه العلاقة الموضوعية، فالشريعة هي العهد وكلّ يحاول أن يتمّم ما أول    إليه، ويُلام إذا تخلّف عن الالتزام بالعهد الذي قطعه .

5. المضمون: بعد 1968 أصبحت نقطة الانطلاق قصة أو حادثة أو لعبة يقوم بها السامع فهي تهيئة إلى استقاء المعلومات والمشاركة فيها. تغيّر تقديم المعلومات وحلّت الوثائق مكان الكتاب الواحد وهي توزّع على السامعين مرحلة بعد مرحلة. قد تطوّرت أيضًا نقطة الانطلاق إذ أصبحت حياة السامع ذاتها . لذلك من واجبات المعلّم أن يتعرّف على محيط السامع وبيئته وعائلته ومشاكله وكيف تتمّ العملية الاسقاطية لها في تصرفاته .

والمراحل تتوالى من انطباعية إلى تحليلية إلى امتصاصية وتهدف إلى تحقيق هضم الكلمة وتحويلها إلى غذاء روحي يقوي الإنسان ويساعده في حياته .

المضمون هو كامن في الكتاب المقدّس،  والمعلّم يساعد السامع فقط إلى اكتشافه والبحث عنه بنفسه دون وسيط يشرح له، فلكلام الربّ دوره وله طرقه الخاصة إلى القلب وإلى تحريك الإرادات. فالأساس موجود والسامع أصبح "التلميذ" الباحث عن معرفة أسرار اللّه والعيش منها. لا فاصل بين المعلومات والحياة بل تداخل دائم .

        6. المكان: لقد خُصّصت غرفة للقاء التربية المسيحية وقد رُتبت بشكل تسمح للجميع بالحوار والاتصال الدائم إذ يجلسون على الأرض أو على مقاعد صغيرة تسمح لهم بالتنقل من مكان إلى آخر حسب ما هو مطلوب من عمل.

        7. معايير النجاح : النجاح معروف من الجميع، كلّ تلميذ يستطيع أن يقيّم عمله بنسبة قربه أو بعده عن بلوغ الهدف المرسوم .

        8. العمر : لا تمييز بين راشد وصغير، كلّ يشارك وكلّ له دوره .

        9. دور الكتاب : إنّ الله بعدما كلّم آباءنا قديمًا مرات كثيرة بلسان الأنبياء كلامًا مختلف الوسائل، كلّمنا في هذه الأيام ... كلّمنا بلسان الابن ...

يوضع الكتاب المقدّس بين أيدي التلاميذ ويدرّبون على البحث فيه واستقاء المعلومات والفهارس . وكلّ ما يساعد على فهم البشرى هو مهمٌ جدًا .

في أغلب الأحيان يُطلب من التلميذ القراءة الفردية ثم العمل ضمن حلقات، ثم التعمّق بكلام الله   والعمل على ضوئه في الحياة . فكلام الله في الكتاب المقدّس يعرض العقيدة ويسهّل فهمها .

فالكتاب مرجع لكلّ إنسان يستقي منه ويتعرّف إلى حقيقة إيمانه ويسير مع المسيح على درب الإيمان . إلى أن يقول بدوره  "أومن ".

ثم التجديد بالتركيز على كلمة الله للبشر و  "الرسالة المفرحة للناس ".

كلمة الله ترسم الطريق وتقدّم لنا نماذج مختلفة توافق كلّ إنسان. انتقلنا بهذه المرحلة من الفلسفة والشرح إلى وضع الآخرين بعلاقة مباشرة مع الكلمة فيسمع الناس شخصيًا صوت الله من خلال كلمته الحية في الإنجيل.

قراءة  - حب الكلمة  - حفظها  - عيشها ... بها نحيا  ... وهي تدخّل إلى حياة الإنسان الخلاص والسعادة والنمو والعطاء والخدمة .

للعبور من المنهجية التقليدية إلى المنهجية الجديدة الناشطة، كان لا بدّ من الكنيسة أن تهتمّ بالتعليم الديني وأن تبذل جهودًا كبيرة لكي تجعل معلّمي التعليم الديني على مستوى هذه المسؤولية قادرين على التجديد.

لذلك تعدّدت لجان التعليم الديني وبادرت الكنيسة إلى :

        1. تأليف لجنة تهدف إلى التنسيق بين مختلف الكنائس ومختلف البرامج والاهتمام المباشر بعمليتي التوجيه والمراقبة، فضلاً عن قيام تنسيق وتعاون مع كهنة الرعايا والأهل .

2. تعيين لجنة للتعليم الديني تضمّ ممثلين عن مختلف الرهبنات النسائية تتمرّن كي تدرّب المعلمين في عملهم التربوي وتعميمه معهم كي تنعكس فيهم المنهجية الجديدة .

        3. تكثيف الدورات التدريبية للمعلمين في مختلف المناطق اللبنانية وفسح المجال لعدد كبير من المشاركة في اختبارهم التبشيري .

        4. إقامة رياضات روحية تساعد بجوّ من الصلاة تجديد مفهوم الله ويسوع المسيح والكنيسة والإنسان، وتساعدهم كي يعيشوا الموت والقيامة ليلبسوا الانسان الجديد .

        5. تأليف منشورات تتوجّه إلى معلمي التعليم الديني نذكر منها "البشرى" أو "Pour te documenterس أو غيرها تتناول مواضيع البرامج لكل سنة، وتهدف إلى إعطاء معلومات جديدة أساسية تساعد المعلّم على التعمّق في لقاءاته وتمنحه آفاقًا جديدة، وتلقي الأضواء على خلفيات منهجيته وتساعده على التخلّص من الإنغلاق على النفس .

6. نشر مجلات للشباب تقدّم لهم ثقافة دينية لا مجال لاكتسابها بغير طريقة. وهي وسيلة أيضًا للقاء والتعارف بين مختلف الطوائف والأديان وتهدف رلى تغذية روحية تعطيهم أيضًا إمكانيات للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم.

7. توفير مكاتب روحية وتجديدها في المؤسسات الخاصة وغيرها بهدف التثقيف الديني .

8. التمرّس الجدي على استخدام الوسائل السمعية -البصرية وعلى انتقادها دون أن تكون مأكلاً يهضم فقط .

9. إدخال الوسائل التربوية المتعدّدة في طريقة التعليم إذ أصبح العمل يفرح الذي يكتشف  "سرًآ " ويسهل له طريق العبور إلى سرّ المسيح .

بواسطة هذه الوسائل أصبحت  "البشرى السارة " عملاً سارًّا لا حزينًا لأنها تساعد على خلق جوّ فرح يتجاوب مع ما يحبه التلميذ، كالكلمات الضائعة أو العبارات المبعثرة أم الجمل الناقصة، ال ...

أمّا كهنة الرعايا ومدرّبي معلمي التعليم الديني وأكثرهم ينتمون إلى المنهجية التقليدية ولهم مفهومهم الخاص عن الله وابنه يسوع المسيح وعن الإنسان والكنيسة، وهذا المفهوم ثابت وغير قابل للبحث أو للشك.

إنهم يؤثرون على الأجيال الصاعدة ويكوّنون ذهنيتها وعندما يسعون للتجديد يكون عملهم بشكل جديد ولكن غير متطوّر في الجوهر .

فالمنهجية الجديدة تسعى كي يكون المعلم رسولاً، وهمّه الأول أن يبلغ رسالة تقود إلى معرفة يسوع المسيح والتعلّق به والعيش معه. وتمتاز روحانيته بالزهد الذي امتاز به يوحنا المعمدان "له ان ينمو ولي أن أنقص" (يوحنا 3/30) إنه كيوحنا يسعى أن يدلّ على المسيح وأن يتوارى متى اهتدى تلاميذه إلى المسيح لأنه المسيح، هو يتابع مهمة تعليمهم وهدايتهم .

ومن روحانية المعلم التي تركّز عليها الكنيسة أيضًا هي الالتزام، وهذا يعني أن يكون تعليمه مرتبطًا بواقع الناس وحياتهم ومشاكلهم، ولقد ركّز المجمع الفاتيكاني الثاني في توجيهاته إلى الكهنة في عرض العقيدة المسيحية على وجوب مراعاة الواقع لئلاّ يأتي تعليمهم بعيدًا عن اهتمامات الناس، وهذا يقتضي من المعلّم أن ينتبه إلى مشاغل الناس ويلتزم بالقضايا الإنسانية في مجتمعه وبربط قضاياهم بتعليم المسيح .

لا تكون التربية أداة تجديد دون تجديد ذهنية المربّين وانفتاحهم إلى الروح المسكونية التي بدأت تسود كنائسنا وجهودنا بهذا الحقل. إذ بدأنا نشعر بوجود الآخرين ونتعاون معهم لوضع برنامجٍ مسكونيٍّ يكون بخدمتنا جميعًا.