مقال للاخت وردة مكسور نُشر في كتاب: :مؤتمر العمل الرّعوي" - إعداد الرابطة الكهنوتيّة، المكتبة البولسية جونية - لبنان سنة 1993
موضوعه : العمل الرعوي لا يقوم على تطبيق تقنيات راعوية من جهة واحدة بل يخلق حسًا راعويًا يجعل الكهنة يقيمون سلّم الأولويات ويجدون الوسائل لتحقيقها، وكلّ هذا على ضوء الإيمان وطبقًا للمبادئ اللاهوتية والراعوية. وبالوقت نفسه يقوم على التعاون بين الكهنة والرعايا وكلّ الذين يرسلون لمساعدتهم.
الرعية دور علم الاجتماع (1)
واقع الرعية الحلي كما قدّمه الدكتور ميشال عوّاد يدعو إلى صرخة ضمير تأتي من الجميع لأن الكنيسة - جماعة منظورة وشركة روحية - تُعنى بكل أبنائها.
وموضوع المؤتمر هذا لا بدّ له من إلقاء الأضواء على قوى الرعيّة ومشاكلها وطلب معالجتها بكلّ أبعادها اللاهوتية والاجتماعية. أمّا ما أعرضه فيتوقف فقط على طريقة إدخال علم الاجتماع في خدمة الرعية.
لقد تكيّفت الكنيسة مع الزمن واستعانت بالوسائل التي يقدمها العصر الحاضر، لتقوم برسالتها الخلاصية. وهي الآن أمام التحديات التي قام عنها الدكتور سمير خوري وأمام ضرورة تجديد طرقها العملية والتبشيرية لتجديد إيمان أبنائها.
فالوضع الاجتماعي والاقتصادي كثير العقد. فيه تعددت العلاقات المتبادلة بين البشر وكثرت التقلبات السريعة بما لها من طابع مأسوي. فلا الأسقف وحده يستطيع أن يواجه هذه الحقائق ولا الكاهن ومعانوه، بل أصبح من الضروري أن يستيعين كلّ منهم بعلم الاجتماع وتقنياته والوسائل التي يعطيها كي يسهّل هذا الأمر ولو أتى ناقدًا للواقع وحالته.
فعلم الاجتماع هو علم الجماعات وقواها الاجتماعية وتولُدها وتطورها. ينظر في تصرفات الأفراد داخل الجماعة، وتصرّف الجماعات نحو الأفراد مع تعاضدها ومشاكلها.
علم الاجتماع يبحث عن الأسباب ليس في الشخصية وحدها، ولكن في المحيط الاجتماعي ليحلّل القضية ويدرس تأثير الأحداث الاجتماعية الحالية على الإنسان لأن كلّ انسان يتكيّف ببيئته، بمعنى أن البيئة تحبطه أو تساعده في تنفيذ رغباته. فهو وسيلة نقد للواقع تبحث عن الوسائل الواقعية كي يأتي العمل موافقًا للهدف وللرسالة المعطاة للرسول من المسيح ومن الكنيسة.
ما هو العمل الراعوي ؟
العمل الراعوي ليس صفة تعود إلى الرعية ولا مجرّد لاهوت راعوي يُلقّن في معاهد التنشئة بل هو عمل، والعمل يستلزم من يقوم به أي أشخاصًا يحققونه في مجالات الخدمة والرعاية والمحبة، وهؤلاء الأشخاص هم الأسقف والكهنة ومساعدوهم وكلّ أبناء الرعية.
هذا العمل لا يقوم على تطبيق تقنيات راعوية من جهة واحدة بل يخلق حسًا راعويًا يجعل الكهنة يقيمون سلّم الأولويات ويجدون الوسائل لتحقيقها، وكلّ هذا على ضوء الإيمان وطبقًا للمبادئ اللاهوتية والراعوية. وبالوقت نفسه يقوم على التعاون بين الكهنة والرعايا وكلّ الذين يرسلون لمساعدتهم.
والعمل الراعوي معروف بالوقت الحاضر ليس للماضي ولا لكلّ الأزمنة بل للوقت الحاضر. لذلك، هو على مستوى الأبرشية، يكون السعي الصبور لإدخال كلّ أبناء الكنيسة مع كلّ مؤسساتهم وإمكانياتهم بالعمل الجدّي في الكنيسة وبملء حريتهم. هذا العمل يتمّ برعاية الأسقف المؤتمن على هذه الرسالة فهو ينسّق ويقود وينظّم ويوجّه وينير الطريق بإرشاداته. والكاهن يقوم بدوره بالعمل نفسه حيث يعينه الأسقف
.
(١) نُشر في كتاب: :مؤتمر العمل الرّعوي" - إعداد الرابطة الكهنوتيّة، المكتبة البولسية جونية - لبنان سنة ٣٩٩١
فالكاهن كما نرى هو الإنسان المتفاني يعمل دون ملل في خدمة الرعية ولا يرى أن النتيجة ترضيه. لأنه لاهوتي بالدرجة الأولى يفكّر بطريقة عامّة مثالية وأخلاقية ولا يفكّر بطريقة واقعية ترتكز على الملاحظة والعلاقة والوقائع.
الكهنة - كما يقول البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي - مدعوون إلى أن يكونوا امتدادًا لحضور المسيح، الراعي الأوحد والأعظم، متشبهين بنمط حياته وعاكسين، نوعًا ما صورته الشفافة وسط القطيع الموكول إليهم.
ينادون بالكلمة مناداة صحيحة،
ويكرّرون ما أتى به من أعمال الصفح والخلاص وخصوصًا المعمودية وسرّ التوبة والافخارستيا، ويمارسون عنايته ومحبته إلى حدّ بذل الذات في سبيل الرعية التي يجمعونها في الوحدة ويقودونها إلى الأب بالمسيح وفي الروح.
فالكاهن يقوم بنشاطات كثيرة، ومهامه متنوعة وكلها تفترضها الخدمة الكهنوتية، والعمل الراعوي الشامل. فهل تمرّس على حياة الرعية العملية وعلى المعاطاة مع الناس وعلى الإصغاء إليهم لفهم مشاكلهم ؟ هل تعلّم كيف يتعرّف إلى أبناء رعيته وكيف يستند إلى علم الاجتماع وكيف يكوّن الجماعات الصغرى ويدير الاجتماعات ؟
الوسائل المطروحة عند الكهنة لحلّ المشاكل
الكاهن يعرف ما يجب فعله في أكثر الحالات. ويعلم ذلك بالوعظ، ولكنه لا يستطيع أن يهتمّ أكثر ليسأل ما هي إمكانية السامعين، هل هم قادرون على العمل ؟ هل هم في حالة تسمح لهم ذلك ؟
فالحل أو الدواء هو دائمًا في الوعظ، وهذا ما نجده إذا قرأنا العظات القديمة فهي تحثّ بلهجة وعظ بطريقة مطلقة للعمل. مثلاً يعظ الكاهن كي يقول ضرورة حضور القداس يوم الأحد وهذا ما يقوله للحاضرين ولا يفكر بالغائبين ولا بالأسباب التي تمنعهم من ذلك. مثلاً موقع الكنيسة أو موسم الحصاد أو نفورهم من الكاهن... يكتفي بأنه قال ما يجب أن يُقال. والجميع ملزمون ومن لا يتمّم أوامره فو من الفاترين أو من الذين لا يريدون أن يسمعوا، ويرتاح ضميره في أكثر الأحيان عند هذا الحدّ. وتبقى طريقته هي نفسها طرق الوعظ الفوقية التي لا تنمّي العلاقات ولا تلائم الحاجات.
فإذا اعترض أحدهم وقال إنّ الوعظ وحده لا يؤدي إلى شيء، يتعجّب الكهنة ويقولون: كيف ؟ هذا تحدّي. من سيساعدنا وبأي هدف ؟ وماذا يجب أن نعمل إذًا ؟ أو كيف يمكننا أن نعمل أحسن من ذلك ؟ أنؤلّف جماعات صغرى ؟
هنا يبدأ دور علم الإجتماع لأنه يهتمّ بهذا السؤال بالذات: ماذ يجب أن نعمل إذًا ؟ بهذا الواقع وظروفه الخاصة، بمعطيات المحيط وموارده كي نجدّد عملنا ونجد وسائل غير الوعظ ؟
مثلاً: في الولايات المتحدة، أثناء الحرب حاول عالم الاجتماع (لوين) أن يجد طريقة لإقناع الناس بتخفيف أكل نوع معيّن من اللحوم، ووجد مقاومة كبرى من قِبل المفاهيم والعقليات. ولكنه حاول أولاً أن يجمع الذين يشترون اللحومات بعلماء الإقتصاد والمختبرات والصيادلة ونظّم سلسلة محاضرات للإدلاء بالمعلومات الأساسية وإقناع الآخرين ولكن هذه المحاولة لم تنجح.
فأتى بمحاولة أخرى إذ دعى هؤلاء المحاضرين نفسهم وترك الذين يشترون يطرحون أسئلتهم بنفسهم فرأى أنّ هذه الطريقة أنجح من الأولى.
ولكنه وجد الطريقة الفعّالة الفضلى عندما جمع فريقًا صغيرًا (5 أو 6 اشخاص) من الأمهات المرضعات وطلب منهنّ أن يسألن بنفسهن الطبيب عن إطعام الأطفال بعد خروجهن من المستشفى.
فاكتشف أن الجماعات الصغرى لها دورٌ مهم جدًا في الإقناع الثابت وكانت النتيجة ملموسة فاتّخذ هذه الوسيلة لكلّ عمل يقوم به وطوّره.
فدور علم الاجتماع في العمل الراعوي مهم جدًا، ولا بدّ من اللجوء إليه في وقتنا الحاضر لأنّ الحياة تغيّرت بسبب الحرب وتطوّرت التقنيات، والرعية بقيت على حالها. لا بل كبُر حجمها جدًا كما سمعنا وامتدّت حدودها إلى هنا وهناك بسبب وفرة عدد سكانها، وتبدّلت المعطيات والأعداد، وتهجّرت العيل وانتقلت من مكان إلى آخر ومن ريف هادىء منظّم إلى مدينة تشكو من تفكّك الروابط الإنسانية. وفي كلّ هذه الظروف وفي ما بعدها قليلون هم الذين استعانوا بالتقنيات كي يلبّوا طلبات الجماعات فأتت محاولاتهم عفوية دون دراسات لا مسبقة ولا لاحقة. وقد حدثت شواذات عدّة تململ أشخاص كثيرون من المسؤولين في الرعية وفي الكنيسة. أي بعضهم كان عنده إنتظار وحاجات معينة وبعضهم كان عنده إمكانيات ولم يتجاوب الفريقان. وهكذا إذا أعمى قاد أعمى سقط الإثنان في الحفرة، أو لا أحد يسقط لأن بعض المجتمعات دون حفر.
كثيرون يستعينون هامشيًا بما يسمّونه إحصاءات وهذه قد تبقى ناشفة وغير مُجدية إذا لم تتبع الطريقة المناسبة والعلمية الكاملة لكي تأتي فعالياتها على مستوى دراستها. والبعض فيها يأتي مشوهًا وغير موافق للواقع كما بيّنه العالم فرانسوا كزافييه شوبير في كتابه Autopsie d'une manipulationوهذا ما يقوم به البعض دون تميز للمسائل التي تصبح والحالة هذه خطرة.
فالراعي المسؤول هو الذي يسير أمام القطيع ويقوده. فهو يسير ويقود ويمشي في الأمام لأنه يدل على الطريق أي أنه يعرف الهدف وإلى أين سيصل بالقطيع. (مهمّة الأساقفة الراعوية في الكنيسة عدد 16).
والراعي كما يصفه الكتاب المقدّس له ميزات مهمّة تنصبّ بهذه الخانة: يرعى قطيعه كالراعي. يجمع الحملان بذراعه ويحملها في حضنه ويسوق المرضعات رويدًا (أشعيا 40/11 يبحث عن الضالة، يرّد، الشاردة، يجبر المكسورة ويقوي الضعيفة (زكريا 11/4).
فلكي يتصرّف الراعي كذلك، هذا يعني أنه يعرف قطيعه معرفة جيدة. ويستنبط لكلّ علّة الدواء المناسب ويعطي لكلّ فرد ما هو بحاجة إليه. يهدّد الكتاب المقدّس بهلاك رعاة اسرائيل الذين يرعون أنفسهم - أليس على الرعاة أن يرعوا الخراف ؟ - والأهمّ من ذلك أن الذين يرعون أنفسهم لا يدركون ذلك بل يظنون أنهم يرعون الخراف. لذلك هم بأمسّ الحاجة إلى علم يكشف لهم ذلك، وهذا واضح ولا رجوع عنه ولو أحدث انقلابًا وانزعاجًا.
- أنا الراعي الصالح- (يوحنا 10/3)
وطوبى للراعي الذي على مثال السيّد المسيح يعرف خرافه وخرافه تعرفه، تسمع صوته ولا تسمع صوت الغرباء. من هو هذا الراعي في أيامنا الحاضرة وقد كثرت الخراف ؟ أو بالأحرى:
- ما هو العدد الأقصى الذي يمكن لكاهن أن يهتمّ به جديًا ؟ وما هو العدد المثالي ؟
- ما هو العدد الفعلي في الرعايا ؟ عدد العائلات ؟ هل هو نفسه ؟
- هل النسبة موافقة للعمل والرعايا الصحيحة ؟ (راجع مهمّة الأساقفة الراعوية في الكنيسة عدد 23).
- ما هي الأجهزة التي استعان بها الرعاة لدرس الأوضاع وإعطاء التوجيهات اللازمة ؟
لست هنا بصدد تفسير كلّ وسائل علم الاجتماع وطرقه. هذا له اختصاصيين يقومون بالأبحاث الضرورية، ولكني أعرض فقط كيفية إدخال هذا العلم في الرعاية لأن الكنيسة تصارع أسباب العتاقة بجهد ولكن النشاطات الرتيبة ما زالت سائدة وتستخدم الطرق التقليدية والبسيطة بينما تطغي وسائل الاعلام والتقنيات بكلّ أشكالها على سلوك الانسان المعاصر. فالهوة بين الكنيسة التي ترتكز على الإرشاد والوعظ التقليديين وواقع أبنائها كبيرة جدًا وتستدعي نقدًا ذاتيًا ملحًا داخل المؤسسات الكنسية والتعليمية والرعائية لتحديد المعايير في ما يقتضي الحفاظ عليه أو العدول عنه وتجديده.
كيف يمكن أن يكون العمل نافعًا ؟
يمكننا أن نضع لكلّ عمل ناجح الفريضة التالية:
كي ينجح العمل، يجب أن يوجد توافق أي تجانس بين الفاعل والطلب، أعني بذلك ما يطلبه أبناء الرعية وما تقدمه الرعية لأبنائها. لأن العمل لا يتوقف فقط على إرادة الأشخاص أي الفاعل، بل على محتوى الطلب، أعني بذلك الإمكانيات التي يقدمها الراعي ليجبر المكسورة ويقوي الضعيفة. فهذا يعني أنه يعرفها معرفة دقيقة ويعرف ضعفها لتأتي العناية موافقة للحالة وللحاجات الآنية والظروف الاجتماعية.
فعلم الاجتماع هو ضروري جدًا لكي يكشف المعضلة ويصف الرعية ومعطياتها الاجتماعية وطلبات أبنائها وحياتهم ضمن جماعة ينتمون إليها وكيف يتصورون ما تقدمه الكنيسة للعمل الفعلي كي يتمّ التوافق المذكور.
إنّ أكثر الرعاة عندهم حسّ عملي بهذه المعرفة دون دروس علمية واجتماعية وهم يطبقون إمكانيات هذا العلم بشكل عفوي، فما نقوله الآن يكمّل عملهم ويعطيه الطابع العلمي اللازم والدقّة الحقيقيّة لأنه يستند إلى وسائل علم الاجتماع التي تطرح تساؤلات وهي: الاستفتاء - الإحصاءات - الوصف الأحادي - السوسيومتري ال...
لذلك نعرض، ولو بصورة وجيزة جدًا طريقة أو شبكة عمل تساعد كلّ مسؤول كي يأتي عمله في رعيته مبرمجًا ومحققًا لطلبات الشعب وحاجات أبناء الرعية فيتجاوب مع طمحاتهم الروحية والكنسيّة ويعرف نوعية الجماعات الصغرى التي يجب أن يؤلفها كي تساعده في عمله.
فدون معرفة الواقع الحقيقي ومعرفة الحاجات بالتفصيل، لا يجوز للمسؤول أن يفتح مراكز لأنه يحبها ويضع برامج لأنها جيدة بالمطلق، بل عليه أن يتجاوب مع حاجات رعيته.
فالحديث مثلاً يأتي مناسبًا عندما يعرف كلّ متحدث الأشخاص الذين يسمعونه ومشاكلهم ولكي يصف الطبيب العلاج المناسب، يرى المريض، يفحصه، يطلب فحوصات أكثر دقة، يشخّص المرض، يحدّده ويصف العلاج.
ولكي يتمّ التوفيق بين أنواع العمل الرسولي ومقتضيات العصر، - توفيقًا يتماشى وأوضاع الناس، لا الروحية والأدبية فقط، بل الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية أيضًا. ولأجل التوصّل الفعّال والمثمر إلى هذا الهدف يجب الإكثار، يقول المجمع، من اعتماد التحريات الاجتماعية والدينية، تقوم بها أجهزة علم الاجتماع الراعوي التي تُولى كل اهتمام ودعم- (في مهمة الأساقفة الراعوية في الكنيسة عدد 17).
كيف يمكن للراعي أن يستعين بعلم الاجتماع ؟
إنّ علم الاجتماع هو مقرون بعلم اللاهوت الراعوي ومساند له في العمل، لذلك نفصل دوره بثلاث مراحل مهمّة خمس محطات:
أولاً: المرحلة الأولى
1) ملاحظة المشاكل أو الخلل
هل يلحظ في رعيته أو أبرشيته مثلاً، المشاكل الممكن للراعي أن يلحظها ؟
- يوم الأحد، يتقدّم جميع الحاضرين من المناولة ولا يعترف أحد على مدار السنة.
- أثناء الأجر، يجلس الرجال خارج الكنيسة والنساء في الداخل.
- أثناء العظة، أكثرية الرجال يخرجون.
- الشيوخ وحدهم يأتون إلى القداس.
- أعضاء الجوقة يتغيبون بسهولة.
- تنظّم الرعية سلسلة محاضرات تثقيفية ولا يأتي إلاّ القليلون أو المسنّون.
- النساء تصلي المسبحة وقت القداس
- زياحات الصليب تجمع العدد الكبير من الناس، أما الحفلات الدينية فلا تستقطب العدد الكافي.
- الشيع تسيطر على أبناء الرعية وتجلب إليها أكثرية الشباب، الخ...
- هل يستطيع كاهن الرعية وحده أن يواجه هذه المشاكل ويعالجها ؟
2) السؤال اللاهوتي والاجتماعي (يطرح في مجلس الشورى)
إنّ السؤال اللاهوتي الكامن وراء هذه المؤشرات يبحث عن أسباب هذه المظاهر لأن هذه المؤشرات تدلّ على مشكلة إجتماعية لاهوتية، على الراعي أن يعرفها ويطرح على نفسه ومعاونيه الأسئلة التالية مثلاً:
- لماذا يتقدّم الجميع إلى المناولة دون اعتراف ؟
- هل لأنهم لا يفهمون معنى هذا السرّ ؟
- هل لأنهم لا يحبّون الكاهن ولا يثقون به ؟
- هل لأنهم يجهلون حقيقة المناولة ولا أحد يعلّمهم ؟
- هل لأنّ أحدًا دعاهم إلى ذلك ؟
وإذا طرح هذه الأسئلة يكون قد انتقل إلى معالجة جوهر الموضوع والبحث فيه والتبصّر في نتائجه وتطوره وانعكاساته. ولكنه لا يستطيع أن يجيب بنفسه عليها، فلكي يعرف بدقة الأسباب والدوافع عند أبناء رعيته، عليه أن يستعين بمركز الرعية للأبحاث الاجتماعية إذا كان هذا موجودًا وهو ضروري أو بأخصائيين في علم النفس والاجتماع فيوكل إلهم مهمة هذا البحث عن الأسباب الحقيقية لكل هذه المشاكل ويطلب منهم دراسة اجتماعية وإحصاءات فردية ويحدّد لهم المهلة الزمنية للقيام بهذه المهمة ولكي يأتوه بالنتائج.
ثانيًا: المرحلة الثانية
3) نتائج الاستفتاء العلمية بالأعداد والأرقام
لا شك أن الجواب عن الأسباب ليس واحدٌ وأن مستوى الفئات سيظهر ويرى أن أي تصرّف له أسباب عدّة لا يمكن أن تعالج بالدواء نفسه. فمنهم من لا يفهم معنى السرّ لأنه أتمّ دروسه في المدارس الرسمية وآخرون لا يحبون الكاهن ولا يثقون به بسبب سوء تفاهم مع كاهن معيّن وآخرون تحت تأثير بعض الشيع التي تحاول أن تسيطر عليهم وتزعزع إيمانهم.
كلّ ذلك سيرد مُرفقًا بالأرقام والأعداد وسيكون الأساس الأهم الذي سيستند إليه الأسقف لتكوين الجماعات الصغرى بحسب حاجتها وأمنيتها.
عند استلام النتائج يقرأ الراعي الأعداد بالتفصيل ويفهمها بالعمق ويسمع إلى محققيها وتعليلهم لهذه النتائج بالطرق العلمية والنقدية. وتُطرح الأسباب كما تبيّنت بوضوح، والحلول المستقبلية التي يتوّخاها هـؤلاء الباحثون واقتراحاتهم العملية. مثلاً، فمن طلب فهمًا أكثر لسرّ الاعتراف ينتظر أن يجد جماعة تُعني بذلك، ومن غاب عنه العلم بسرّ الافخارستيا كذلك. من عانى من نقص بالثقة يحتاج إلى كهنة توحي الثقة والمعرفة وكذلك توعية نوعية بحسب الأعمال والثقافات والمساكن الخ... ويُطلب من الكاهن خدمات متواصلة لأعمال رسولية قد يكون غير مؤهل للقيام بها لأنه ليس مختصًّا بإحياء الاجتماعات ولا عنده إلمام بنوع الخدمات الاجتماعية حتى ولو واجه هذه الحالات كل يوم. وما هي مؤهلاته الادراية ؟
ثالثًا: المرحلة الثالثة
4) نقل النتائج إلى مستوى اللاهوت الراعوي
إن علماء الاجتماع ليسوا لاهوتيين بل مساعدين لهم كي يتفهّموا الوضع الاجتماعي ويقوموا بالأعمال الموافقة مع الوسائل الأفضل. فإذا سمعنا القول الشائع - المسيحيون لا يعملون بحسب إيمانهم - نرى بعد البحث أن العكس هو الصحيح لأنهم يتصرفون حسب مفهومهم للإيمان ومعتقداتهم التقليدية.
فالنواقص اللاهوتية يكشفها هذا العلم إن كان من ناحية التعليم المسيحي أو ناحية المفاهيم والقيَم المسيحية أو غيرها من تنشئة الكهنة وغيرهم. ويرون ما ينتظره الشعب من الكاهن ومن الكنيسة ويحددون الحاجات بالصورة العملية فتأتي المشاريع مبوبة بحسب الفئات ومتعددة بحسب الأهداف والحوافز.
كا يجد ما يتمنّاه لكي يعيش إيمانه أكثر فتتكوّن الجماعات الصغرى متنوعة بتنوّع الحاجات ومتعددة مثلها. فكلٌ يتفهم كيفية التعاون، وكل يساهم بما أعطاه الله من هبة لبناء الملكوت ويلتزم بكنيسته ويشعر بالروابط الحقيقية معها.
ويوكل إليها مسؤوليات محدّدة مع هدف لكلّ منها ويمدّهم بالمعلومات اللازمة.
5) أخذ القرارات
هذا البند متعلّق بالأسقف ومجلسه. يقرأ الأحداث والنتائج على نور الإيمان لأن عنده الحكمة لتفسير علامات الأزمنة وهو يعلم أن مساحة الأبرشية وعدد سكانها يجب أن يقاس عمومًا بأمرين: قدرة الأسقف نفسه، - وإن كان ذا أعوان، على القيام باحتفالات الحبريّة وعلى القيام اللائق والكافي بالزيارات الراعوية، وإدارة جميع الأعمال الرسولية في الأبرشية وتنسيقها على نحو صحيح وخصوصًا التعرّف بكهنته وبالرهبان والعلمانيين الذين لهم شأن في مبادرات الأبرشية - (عدد 23).
إنّ الأسقف لا يطلب من علم الاجتماع أن يعطيه توجيهات رسولية ولا أن يعطيه تفسيرات لكلّ الظواهر الدينية التي يلاحظها. لكنه يطلب منه أن ينوره على وضع أبناء الرعية الذين يوجّه إليهم عمله وأن يعطيه بعض التفسيرات عن الأحداث ويحدّد الفئات والحاجات.
علم الاجتماع يأخذ كل العلامات الحسيّة والوقائع بجدية تامة ويهتمّ بكلّ فاعل أيًا كان ليتعرّف إليه من كهنة أو عاملين أو غيره وكلها تكون بمثابة علامة للأزمنة يستطيع بها أن يضع مشروعًا راعويًا يخصّ كل منهم ويأخذ كل معطياتهم بعين الاعتبار.
- فيقرّر مع معاونيه برنامج عمل تدريبي واضح استنادًا إلى الدراسات والإحصاءات ومخصصًا بالفئات.
- يحدّد الخطوات الأساسية والروحية وكيفية تأليف الجماعات الصغرى التي يتمّ العمل من خلالها.
- ينظّم اجتماعات الكهنة الشهرية تجاوبًا مع المعطيات الحقيقية ويوزّع عليهم العمل. فلا حاجة إلى الوعظ بل يحثّهم، بعد أن يكون قد أصغى إليهم وعرف إمكانياتهم الحقيقية، إلى الاحتكاك بالجماعات الصغرى وإدارتها والإستفادة من تأثيرها على الجماعات الكبرى.
مثلاً: إذا كانت النتيجة تدلّ على نقص في علم معين أو عدم إمكانية الكهنة أن يصغوا حقيقة وأن يديروا الاجتماعات التي أصبحت ضرورية وهي من صميم عملهم اليومي، فيقوم البرنامج مثلاً على أن تتمّ تنشئة خاصة بهذا المجال وأن يتمرّس كلّ كاهن على الإصغاء لأن عمله يقوم عليه وأن يعلم جيدًا المبادىء والطرق التي يجب إتباعها في إدارة الاجتماعات والحلقات وهو بدوره يهتمّ بالمسؤولين عن الحركات الرسولية وعن كلّ الجاماعت التي تساعده في عمله من خلال الاجتماعات الدورية.
- يقيم مركز بحوث إجتماعية وراعوية كي تقوم بالمحطات الثانية والثالثة والرابعة، وأمّا الأولى والخامسة فتعود إليه.
يتوّج هذا العمل التقييمُ الدوري وهو من أهمّ الوسائل لتطوّر العمل وتقدمه في كلّ المجالات وهذا يتمّ في إجتماعات يوم السبت مع تبديل وتغيير ما يجب تغييره سواء في المنهجية أو في الأعمال.
الخاتمة
فعلم الاجتماع هذا هو وسيلة حديثة للرسالة في الكنيسة والبحث الاجتماعي والنقد الذاتي ويهدف إلى وضع كل إمكانات علوم الاقتصاد والاجتماع بخدمة الكنيسة وحكمها ورعايتها وتنظيم علاقات أبنائها. فلا تعود تجهل واقع رعيتها وأبنائها ولا هذه الأبعاد بل بالعكس تستعين بها لتتعرّف إلى الدافع الحقيقي والمشاكل الحقيقية.
إنّ علم الاجتماع يبين القيم الأساسية والعادات والمقاييس الجماعية والشواذات ويحدّد أيضًا نسبة فعاليتها عند الجماعات المختلفة. يخفّف من الأحكام المسبقة والمبرمة على الأشخاص والجماعات لأنه يحكّم النسبة ويذكرها 20 أو 80 بالمئة ويعطي بالأرقام. فلا نقول المسيحيين، بل فئة من المسيحيين، ولا أبناء الرعية، بل عدد من أبناء الرعية. ونميّز بين المسنين والشبان والعيل والمؤسسات الخ...
وعلم الأجتماع يضع أيضًا بين يدي الكهنة الوسائل العلمية - كالسوسيومتري - لتأليف الجماعات الصغرى، بتوازن القوى العاطفية ويساهم في تحليلها والاستفادة من فاعليتها وتقنيتها في سبيل العمل الناشط والمشاركة والالتزام وفي سبيل إقناع الجماعات الكبرى فلا يعود يعظ وينادي بالعمل بل يحدّد أنواع الأعمال ومن سيقوم بها والوقت المخصّص لإتمامها.
كلّ ذلك، يساعد ويساهم في أن يأتي الكلام الراعوي والعمل الراعوي في المكان المناسب وللفئة المناسبة. وهكذا يلقى أصداء جيدة في قلب الجميع ليتجدّدوا في المسيح فلا يعود مجال للتقاعس بل يسير الجميع باتجاه ملكوت الله وتكون الكنيسة هي الرائدة المسهّلة والمساندة.
الأسئلة
1) هل التنشئة الكهنوتية أحاطت الكاهن بكلّ مشاكل الرعاية وأعطته الوسائل الفعلية والعملية للقيام بخدمته الكهنوتية ؟
هل التنشئة الحالية تحيطه علمًا بعلم الجماعات والتواصل والإصغاء وإدارة الاجتماعات مع اختلاف أنواعها ؟
أين المجالس واللجان الراعوية التي تستطيع أن تستقصي كل ما يتعلّق بالعمل الراعوي وتقديره والخروج منه بنتائج عملية ؟ هل يوجد في الأبرشيات والرعايا مراكز بحوث تقوم بالمهمّة التي يطلبا المجمع الفاتيكاني الثاني
- 393 views