في كُلِّ سَنة، نُمارِسُ عاداتٍ وتَقاليدَ مُعَيّنة تُمَهّدُ لِزَمنِ الصَّومِ وتَرتَبطُ بِه، وَرِثناها عن أَجدادِنا وآبائِنا، وقَد نَجهَلُ مَعانيها ومَضامينَها ودَلالاتِها... فَما هيَ مَعاني هَذهِ العادات؟ هَل لَها جُذورٌ كَنَسيَّة؟ لِمَ وكَيفَ نَقومُ بِها؟

1- خَميسُ السّكارى

يَجتَمِعُ مُعظَمُ العائِلات في يَومِ «خَميس السّكّارَى»، وَهُوَ آخِرُ خَميسٍ قَبلَ بَدءِ فَترَةِ الصِّيام، حَولَ مائِدَةٍ فيها الكَثيرُ مِنَ الطَّعامِ وَالمَشروباتِ الرّوحِيَّة. وَالواقِعُ أَنَّ هَذِهِ العادَةَ لا تَمُت لِلكَنيسَةِ بِصِلَة، وَهِيَ مُرتَبِطَةٌ بِالتَّقاليدِ وَالعاداتِ الّتي تَناقَلَتْها المُجتَمَعاتُ على مَرِّ العُصورِ. وَ«السُّكر»، بِحَسَبِ هَذِهِ التَّقاليد، لا يُفَسَّر بِمَعناهُ الحَرفِيّ، إِنَّما يَدُلُّ على الفَرَحِ وَالشَّراكَةِ بَينَ الأَهلِ وَالأَقارِبِ المُجتَمِعين حَولَ مائِدَةٍ واحِدَة. وَتِبعًا لِلعاداتِ أَيضًا، هُناكَ مَن يُطلِقُ إِسمَ «خَميس الذّكارى» على هذا اليَوم نِسبَةً إلى تِذكارِ المَوتَى وَالصَّلاةِ على راحَةِ نُفوسِهِم، لَكِن هذا التَّقليدَ أَيضًا لا عَلاقَةَ لَه بِالكَنيسَة أو بالكتابِ المقدّس!


2-أَحَد المَرفَع
قَديمًا كانَ هُناكَ أَحَدان للمَرفَع: مَرفَعُ اللَّحم (أُسبوعان قَبلَ بِدايَةِ الصَّوم) وهوَ اليَومُ الأخيرُ الّذي يُسمَحُ فيهِ بِتَناولِ اللَّحم قبلَ الفِصح المَجيد. وابتِداءً من يوم الإثنَين، يُرفَعُ اللَّحمُ عن المَوائِدِ المَسيحِيّة. أمّا الأحَدُ الّذي يَليه، فَهوَ مَرفَعُ الجبن أي اليَوم الأخير الّذي يُسمَحُ فيهِ بِتَناولِ البَياض... وهَكذا كانَ المَسيحيّون يَصومون بالإمتِناعِ عن الزَّفرين أيّ (زَفَر اللُّحوم وزَفرِ البَياض من أَلبانٍ وبَيض)... الكَنيسةُ الأرثوذكسِيّة ما زالَتْ تَعتَمدُ الأحَدَين، في حينِ أنَّ بَقيّةَ الكَنائِس تَعتمدُ الأحَدَ الّذي يَسبقُ الصّوم مُباشرَةً كأَحدِ مَرفَعِ البَياض واللَّحم على حَدٍّ سَواء (مع العِلمِ أنَّ مُعظمَ النّاس يَعتَبرونَهُ مَرفَع اللَّحم فقَط)... واستِخدامُ كَلِمة «مَرفع» لَهُ مَعنَيان». فَمن جِهَةِ الرّفعُ يَكونُ للدّلالَةِ على إلغاءِ أصنافٍ من الطّعامِ عن المائِدَةِ، ومِن جِهةٍ أُخرى فهوَ يَدُلُّ على رَفعِ القُلوبِ والعُيون والآذانِ إلى اللّه من خِلالِ الإلتِزامِ بالصّومِ والصّلاةِ والصَّدقة.


3- إثنَين الرَّماد
¯ تاريخيًّا لم تَكنْ عادَة ذَرّ الرَّماد مُرتَبِطَةً بِبدايَةِ الصّوم، بل دَرجَتْ عَليها بَعضُ الكَنائسِ المَحليّة حَوالي القَرنِ الثّالث. وفي القَرنِ السّابِع، تَرافَقتْ عَمليّةُ ذَرِّ الرَّماد في بِدايَةِ الصَّوم مع تَقَدُّمِ الخَطأة من سِرِّ التّوبَة. وفي القُرونِ الوُسطى، تَوسَّعَتْ هذهِ العادَةُ لِتَشمُلَ ليسَ فقَط التّائِبين بل جَميع المُؤمِنين في الرَّعيّة.
¯ يُعرفُ هذا اليَوم في تَقاليدِنا اللُّبنانيّةِ بحسب الكنيسة المارونيّة «بإثنين الرّاهب». ويَعودُ سَبب هذهِ التَّسميّة إلى أنَّ القَريةَ بِكامِلِها كانَتْ تَخرُجُ لاستِقبالِ راهِبٍ مُكَلّفٍ من قِبلَ مِطران الأبرَشِيّة لإلقاءِ المَواعِظِ على المُؤمِنين وتَنشِئِتِهم وسَماعِ اعتِرافاتِهم تَحضيرًا لِعيدِ الفِصح.
¯ يُستَخرَجُ الرَّمادُ من أَغصانِ شَعانينِ السَّنة الماضِيّة الّتي تُحفَظُ فَتُحرَقُ لِهذهِ الغايَة. وفي خِلالِ رُتبَة التَّبريك (الطّقس الماروني) يَستَعيدُ الكاهِنُ آيَةً من سَفرِ التَّكوينِ ويَقول: «أُذكُرْ يا إِنسان أَنَّكَ تُرابٌ، وإلى التُّرابِ تَعود» ويَقومُ بِرَسمِ إِشارَةَ الصَّليبِ بِواسِطةِ الرَّمادِ على جَبهَةِ المُؤمِنين.
¯ إنَّ المَعنَى اللّيتورجِيّ لِرُتبَةِ المَسَح بالرَّمادِ هوَ أَبعَدُ من العَلامَةِ المادِيّة... هوَ عَلامَةُ الإرتِدادِ والإعتِرافِ بالخَطيئَةِ والضُّعفِ، ورَمزٌ لِهَشاشَةِ الحَياةِ البَشرِيّة.

 

Attachment